وأقسطوا

وأقسطوا

 

العدل هو المساواة، هو الإنصاف، العدل هو إعطاء كل ذي حَقٍّ حقَّه، قال فيه العلماء: العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه. والعدلُ في حقيقتِه تمكينُ صاحبِ الحقِ ليأخذَ حقَّه، في ظلالٍ يكونُ الناسُ في الحقِ سواء لا تمايزَ بينَهم ولا تفاضلَ، وإنَّ أمةَ الإسلامِ هي أمةُ الحقِ والعدلِ. إن احترام العدل تقليدٌ تتوارثه الأمم المحترمة، وتقيم له الضمانات، وتبني له السياجات، من أجل أن يرسخ ويستقرَّ. وإن الحضارات الإنسانية لا تبلغ أوج عزها، ولا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدل تاجها، ويتلألأ به مفرقها. تبسطه على القريب والغريب، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والحاضر والباد. العدل تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، والفطر السوية. وتمدح بادعاء القيام به ملوك الأمم وقادتها، وعظماؤها وساستها. حسن العدل وحبه مستقر في الفطر، فكل نفس تنشرح لمظاهر العدل مادام بمعزلٍ عن هوى يغلبها في قضية خاصة تخصها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالَ: رسول الله صلى الله عليه وسلم “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل…” رواه البخاري ومسلم. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا” رواه مسلم. وغير ذلك من الآيات والأحاديث في وجوب العدل وفضله وأثره في الأمة. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: “العدلُ نظامُ كُلِّ شَيءٍ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامَت. وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة. إن الله -تعالى- جعل نظام الكون قائما على العدل، وجعل استقرار الأرض ومتاعها معلقين بالعدل؛ فحيثما وجد العدل وجد معه الاستقرار ورغد العيش، وحيثما وجد الظلم تبعه الاضطراب واختلال الموارد، ثم فساد العيش.