إن القرآن الكريم يبعث في نفس كل من الزوجين الشعور بأن كلاًّ منهما ضروري للآخر، ومكمّل له؛ فيقول للرجل: إن المرأة فرع منك وأنت أصلها، ولا غِنى لأصل عن فرعه، ويقول للمرأة: إن الرجل أصلك وأنتِ جزء منه، ولا غِنى للجزء عن أصله، يقول تعالى في ذلك: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا” الأعراف: 189، فالنفس الواحدة هي نفس آدم عليه السلام وزوجه هي حوَّاء. ولذا، فالزواج في نظر القرآن ليس وسيلة لحفظ النوع الإنساني فحسب، بل هو امتثال لأمر الله عزّ وجلّ القائل سبحانه ” فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ” النساء: 3، والزواج تحصين للفرج وغض للبصر، وقضاء للوطر في ما أباحه الله، وفيه صيانة وحفظ النسل البشري؛ ليعمر الأرض بعبادة الله، وحفظ للأنساب، وفيه إكثار لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وحماية للمجتمعات من الأمراض الخُلُقية، وهو فوق ذلك وسيلة للاطمئنان والسكن النفسي، والهدوء القلبي والوجداني.
والزوجان يعيشان حياتهما الزوجية في ظلِّ تعاليم الإسلام في انسجام واتحاد في كل شيء، اتحاد شعور ومشاعر، واتحاد عواطف وبواعث، واتحاد آمال ومآل، واتحاد عمل وتفاهم، واتحاد تربية ورعاية، واتحاد أسرار متبادلة، واتحاد تناكح وتناسل.
ومن عظمة القرآن وكماله نجدُ كل هذه المعاني ما حصرناه، وما لم نحصره متمثِّلاً في آية من القرآن الكريم عدد كلماتها ست كلمات، يقول تعالى “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ” البقرة: 187، يقول القرطبي: أصل اللباس في الثياب، ثم سُمِّي امتزاج كل واحد من الزوجين بصاحبه لباسًا، لانضمام الجسدين وامتزاجها وتلازمها؛ تشبيهًا بالثوب. وبذلك يتضح أنَّ العلاقة بين الزوجين هي علاقة امتزاج والتصاق، وهي أقوى علاقة اجتماعية؛ لاحتوائها على ناحيتين: ناحية غريزية فطرية، وناحية عاطفية وجدانية. ويصوِّر القرآن الكريم ارتباط الغريزة والعاطفة بين الزوجين، ويشير إلى أنه آية من آيات الله ونعمة من نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، يقول تعالى “وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم: 21.