تربط قطاع السينما في الولايات المتحدة علاقة متينة بالجيش، فلطالما لجأ صانعو الأفلام إلى القوات المسلحة لطلب نصائح أو حتى سفن وطائرات حربية. وفي المقابل، تستفيد السلطات الأمريكية من هوليوود لإظهار مقاتليها وعناصر الأمن في صورة الأبطال المثاليين.
ويقول فيل ستروب، المسؤول في الجيش عن العلاقات مع هوليوود، “يأتي إلينـــا السينمائيون الذين يريدون إنتاج فيلم بميزانيــة معقولة ليستفيدوا من رجالنا ومعداتنا”.
ويضيف “في المقابل، لدينا القدرة على أن نؤثر في الصورة التي يظهر فيها العسكريون”.
وآخر هذه الأفلام هو فيلم “سولي” لكلينت إيستوود، وهو قيد العرض الآن في القاعات الأمريكية، يروي قصة الهبوط الاضطراري لطائرة ركاب مدنية في نهر هادسون بنيويورك، وقد تلقى الفيلم مساعدة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لإتمام تصوير البعض من مشاهده.
وكذلك قدم الجيش مساعدة لفيلمين جديدين “كابيتن فيليبس” و”بريدج أوف سبايز” (جسر الجواسي). وساهم الجيش بشكل كبير في “إيرون مان” و”ترانسفورمرز”، و”تومورو نيفر دايز” مع جيمس بوند وأعمال كثيرة أخرى.
وفي فيلم “بلاك هوك داون”، الذي يصور التدخل العسكري الأمريكي في مقديشو عام 1993، كانت مساعدة الجيش ضرورية أيضا، وكان ذلك مقابل “بعض التعديلات”.
فبحسب مارك بودين، صاحب الكتاب الذي حول إلى هذا الفيلم، فرض البنتاغون تغيير اسم البطل الذي يؤدي دوره إيوان ماكغريغور، كي لا يكون مشابها لاسم عسكري يقبع في السجن بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال. وتأمل السلطات الأمريكية في أن يكون الجنود وعناصر الشرطة في الأفلام أبطالا لا غبار عليهم.
وتعمل وكالة الاستخبارات الأمريكية منذ العام 1996 على تحسين صورتها من خلال الأفلام، لتقدم نفسها على أنها وكالة تتمتع بمناقب عالية ولا بد منها لحماية الولايات المتحدة، وأنها قلما ترتكب الأخطاء، بحسب تريسيا جنكينز، الأستاذة في جامعــة ميشيغن وصاحبة كتاب “السي آي إيه في هوليــوود”.
وتؤكد جنكيز أن تدخل الوكالة في إنتاج الأفلام وصل إلى ذروته خلال الحرب الباردة، حيث كان الهدف صياغة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يستطيع كسب القلوب والعقول في الخارج، من خلال مركز أبحاث لمكافحة الإيديولوجية الشيوعية تابع للوكالة الاستخباراتية، مهمته التفاوض من أجل شراء حقوق نصوص الروايات وتحويلها إلى أفلام للترويج للسياسة الأمريكية، وتعزيز صورة الحياة الأمريكية في العالم.
ومن أبرز الأفلام التي تجسد تعاون الاستخبارات مع هوليوود فيلم “أرغو” الذي نال جائزة أوسكار وقلص أهمية الدور الكبير الذي لعبته كندا في عملية تحرير الرهائن الأمريكيين في إيران ليعطي المساحة الأكبر للاستخبارات الأمريكية.
لكنّ أعمالا أخرى أثارت جدلا كبيرا، مثل مسلسل “هوملاند” (الوطن) الذي تلقى مساعدة وكالة الاستخبارات، إلا أنه واجه انتقادات لاذعة بسبب تبريره لجرائم الحرب الأمريكية أولا وبالخلط بين المسلمين والإرهاب ثانيا.
وتلعب المسلسلات الأمريكية المماثلة لـ “هوملاند” دورا كبيرا في تشكيل الرأي العام الأمريكي، وقد تكون هي أحد أسباب تأييد الأمريكيين لاستخدام التعذيب بذريعة الحصول على الاعترافات من الإرهابيين، على الرغم من ثبوت فشل التعذيب في تقديم أي فائدة في اعترافاتهم.
وسبق أن صور المسلسل التلفزيوني “هوملاند” العاصمة اللبنانية كمرتع للإرهاب، فيما اعترضت باكستان في ديسمبر 2014، في بيان رسمي عن تصويرها بلدا ممزّقا بالحروب والإرهاب اللذين تورطت الحكومة فيهما مع الإرهابيين.
ومن الأفلام التي لاقت انتقادات فيلم “زيرو دارك ثيرتي”، الذي يتحدث عن ملاحقة أسامة بن لادن، وقد نال مساعدة أيضا من وكالة الاستخبارات الأمريكية، لكنه تلقى أيضا انتقادات من لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لكونه ألمح إلى أن تعذيب موقوفين إسلاميين متشددين كان مفيدا لمعرفة مكان الزعيم السابق لتنظيم القاعدة.