همسات في وداع رمضان

همسات في وداع رمضان

الهمسة الأولى تقول: تذكَّر رحيلك من الدنيا، تذكَّر أيها الصائم وأنت تودِّع شهرك سرعةَ مرور الأيام، وانقضاء الأعوام؛ فإن في مرورها وسرعتها عِبرةً للمعتبرين، وعِظةً للمتَّعِظين؛ قال عز وجل: ” يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ” النور: 44. فيا من ستودِّع رمضان، تذكر أنك ستودع الدنيا، فماذا قدمتَ لله؟ هل أنت مستعد للقائه؟ إن من عزم على سفر، تزوَّد لسفره، وأعدَّ العُدَّة، فهل أعددت زادًا لسفر الآخرة؟ فعجبًا لمن أعدَّ للسفر القريب، ولم يُعِدَّ للسفر البعيد؛ قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: “أحسنهم خلقًا، قال: فأي المؤمنين أكْيَس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لِما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس”.

الهمسة الثانية تقول: إياكم أن تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، فإذا انسلخ رمضان، كان عيدهم إضاعة للواجبات، ونومًا عن الصلوات، ومقارفة للمعاصي والمنكرات، إن كثيرًا من المسلمين يكونون في رمضان من الذين هم على صلاتهم يحافظون، فإذا انقضى رمضان، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وكثيرٌ من المسلمين يجتنبون في رمضان مشاهدة المحرمات، وسماعَ الأغاني، فإذا انقضى رمضان، عادوا إلى ما كانوا عليه من الباطل، وهؤلاء يُخشى عليهم أن يُخْتَمَ لهم بالسيئات.

الهمسة الثالثة تقول: القَبولَ القَبول؛ فقد مضت الأعمال، والصيام، والقيام، والزكاة، والصدقة، وختم القرآن، والدعاء، والذكر، وتفطير الصائم، وأنواع البر التي حصلت، والعمرة التي قام بها الكثير، لكن هل تُقبِّلت أو لا؟ هل قُبِل العمل أو لا؟ يقول الله تعالى: ” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ” المائدة: 27. كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من ردِّه، وهؤلاء الذين يُؤتُون ما آتَوا وقلوبهم وجِلة، يعطي ويخشى ألَّا يُقبَل منه، يتصدق ويخشى أن تُرَدَّ عليه، يصوم ويقوم ويخشى ألَّا يُكتَب له الأجر. قال بعض السلف: كانوا لقَبول العمل أشدَّ منهم اهتمامًا بالعمل ذاته، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: ” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ” المائدة: 27.

من موقع الالوكة الإسلامي