يعود عيد الأم ككل سنة على أمهات العالم حاملا الأفراح والمفاجآت، فمنهن من تتذكر المناسبة وتتشوق لمعرفة الهدية التي خصها بها أبناؤها وزوجها، ومنهن من لا تتذكرنها فتكون المفاجأة فعلا جد سعيدة لمعرفتها أن هناك من يقدرها ويتذكرها، وهناك من يشتري هدية ويبكي عليها لأن أمه ليست موجودة أو يخفيها لأن زوجة الأب هي من في البيت وأبدا لن يهديها هدية لأنها ليست أمه، ولكن هناك من يشتري لها أحلى الهدايا لأن زوجة أبيه بمثل أمه وتستحق التهنئة والتقدير.
عيد الأم من أسطورة إلى احتفال رسمي
لم نرد أن نمضي في موضوعنا بمناسبة عيد الأم دون الإشارة إلى تاريخ الاحتفال به، حيث يزعم بعض المؤرخين أن عيد الأم كان قد بدأ عند الإغريق في احتفالات عيد الربيع، حيث كانت هذه الاحتفالات مهداة إلى الإله الأم “ريا” زوجة “كرونس” الإله الأب. وتروي أسطورة أخرى أنه في روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الاحتفالات، كان لعبادة أو تبجيل -“سيبل” – أم أخرى للآلهة. وقد بدأت الأخيرة حوالي 250 سنة قبل ميلاد السيد المسيح عيسى عليه السلام؛ وهذه الاحتفالات الدينية عند الرومان كانت تسمى “هيلاريا” وتستمر لثلاثة أيام من 15 إلى 18 مارس. ثم جاء اليونانيون القدامى ليكونوا ضمن احتفالات الربيع، وفازت الإلهة (رهيا) بلقب الإلهة الأم لأنها كانت أقواهم على الإطلاق وكانوا يحتفلون بها ويقدسونها. وبمجيء المسيحية أصبح الاحتفال يقام على شرف “الكنيسة الأم” في الأحد الرابع من الصوم الكبير عند الأقباط، ويتم شراء الهدايا كل لكنيسته التي تم تعميده فيها. والاحتفال بعيد الأم يختلف تاريخه من دولة لأخرى، وكذلك أسلوب الاحتفال به، فالنرويج تقيمه في الأحد الثاني من شهر فيفري. أما في الأرجنتين فهو يوم الأحد الثاني من شهر أكتوبر، وفي لبنان يكون اليوم الأول من فصل الربيع، وجنوب إفريقيا تحتفل به يوم الأحد الأول من ماي. أما في فرنسا فيكون الاحتفال أكثر بالعيد كعيد للأسرة في يوم الأحد الأخير من ماي، حيث يجتمع أفراد الأسرة للعشاء معاً ثم تقدم كعكة للأم.
تجنب جرح مشاعر الأطفال اليتامى مهمة صعبة في عيد الأم
مثلما تنتظر الأمهات المناسبة بكل فخر واعتزاز، ينتظر الأطفال أيضا قدوم عيد الأم حتى يتسابقوا فيما بينهم لتقديم أفضل وأجمل هدية لأجمل كائن في الوجود. لكن هناك فئة من الأطفال، قالت المربية “كريمة”، يحاولون ألا يشاهدوا بقية الأطفال وهم يستعدون للتعبير عن حبهم وتقديرهم لأمهاتهم في مثل هذا اليوم. ”فالأطفال اليتامى يعانون كثيرا في عيد الأم، ونحن نعاني أيضا في التعامل معهم، فلا ندري كيف نتصرف حتى لا نجرح مشاعرهم، نقوم بحثهم على صنع الهدايا والبطاقات لخالاتهم أو جداتهم أو أمهاتهم، ونعمل على توعيتهم بأن الأم هي المرأة التي تسهر على سلامة ورعاية وحب الطفل، أي الأم ليست هي المرأة التي تنجب وحسب، وأن أمهاتهم الحقيقيات أو البيولوجيات تكن جد سعيدات وفخورات في السماء لدى مشاهدتهن أبناءهن يحسنون التصرف”.
هل تعوض زوجة الأب الابن؟
وكثيرا ما يقترن اسم زوجة الأب بالحكايات الأليمة، فكم من سندريلا عشنا قصتها صغارا مع زوجة أبيها الشريرة، فالكثير منا من يتخوف من مجرد سماع كلمة زوجة الأب، ومع كثرة القصص البشعة التي سمعنا بها إلا أن هناك جانبا مشرقا جميلا سطرته بعض النساء، هناك منهن من حملت الأمانة خير محمل احتوت أولئك الصغار وربتهم بعطفها وحنانها، وقد شاهدنا منهن الكثيرات سطرن أجمل قصص الوفاء والحب والتضحية.
الأم من تربي وليست من تلد
كانت صغيرة عندما انفصل والداها، وبعد فترة طالب الأب بحضانتها مع أخيها، ومع أن ذاكرتها الصغيرة لا تغفر لوالدها بُعدها عن والدتها، إلا أن زوجة الأب الجديدة احتوت حياتها، وحاولت أن تكون أما حنونة حتى بعدما أنجبت. حكت سمية قصتها قائلة: “انتقلت إلى منزل والدي وأنا لا أتجاوز الثلاث سنوات مع أخي ذي العام والنصف، وحتى اللحظة كثيراً ما أسأل نفسي كيف استطاعت زوجة أبي أن توافق على أن نعيش معها ونحن في هذه السن الصغيرة دون أن تتذمر من وجودنا، بل وكانت خير مربية لنا، حتى بعد إنجابها لم تتغير معاملتها، وكانت تحاول أن تشكل أسرة طيبة”.
وأضافت: «السنوات الأولى من حياة كل طفل مهمة جدا، ولا أدّعي أنني لم أكن أشتاق إلى رؤية والدتي، ولكن زوجة أبي كانت هادئة معنا، وتحاول قدر الإمكان أن تحتوي طفلين لا ذنب لهما في الانفصال. وكبرنا مع أبنائها وبناتها من والدي، وكنا عائلة مترابطة جدا وحتى والدتي تزوجت من رجل آخر وأصبحت الأسرة الصغيرة أكثر اتساعا، وحاليا لنا رابط جيد بين أخواتي جميعهم سواء من جانب والدتي وأبنائها، أو من جانب زوجة أبي وأبنائها”.
وعن زوج والدتها قالت: «رجل طيب جدا، لم يبد أي امتعاض من وجودنا مع والدتنا في أوقات يسمح فيها والدي بزيارتها، ولا أدعي أنه لم يكن هناك أوقات عصيبة، إلا أننا استطعنا تجاوزها دون أي آثار نفسية كما نسمع في الزمن الراهن”.
لم تتقبل زواج والدها في البداية ولكن معاملة زوجة أبيها غيرت رأيها
كانت معاناة بكل معنى الكلمة عندما قرر زهير الزواج بامرأة أخرى، خصوصا أن طفلته الصغيرة التي لم تتعد العشر سنوات كانت شديدة التعلق بوالدتها، ومع ذلك رفض أن تكون معها، لسفرها المتكرر وزواجها برجل آخر، فتولى الأب المسؤولية. هذه كانت قصة زهير المتزوج منذ سنة مع ابنته ذات العشر سنوات قائلا: «كان زواجا تقليديا، فقد تقدمت مع والدتي لخطبة صليحة زوجتي الثانية، وكان شرطي الوحيد أن تتقبل ابنتي فردا في العائلة، و لم تعترض، بل رحبت بوجودها بشدة وكانت ذات تسع سنوات، ولكن المشكلة كانت عند ابنتي التي رفضت الفكرة كليا وأبت أن يتزوج أبوها بامرأة أخرى وقبل الزواج حاولت تبسيط الفكرة بأني سأكون متزوجا بامرأة غير والدتها، فانهارت ولم تفلح أي محاولة لي، ولكن مع الوقت قبلت وشيئا فشيئا تقبلت الأمر واقترحت عليّ أن أتزوج لأنها بحاجة إلى أم في بيت خاصة و أن أمها لا تسأل عنها.
التقت الزوجة بالفتاة الصغيرة، وجلست معها، واعتبرتها ابنة لها، متفهمة مشاعرها وبدأت الزيارات حتى تتجاوز مرحلة رفضها زواج والدها، وبعد شهرين سوّيت المسألة.
أضافت: شهران متواصلان ونحن في جلسات عائلية، حتى اقتنعت بها، وأذكر أنها قالت «أبي الخالة صليحة طيبة وممكن أن تكون معانا في البيت» حينها لم أصدق، وعندما أخبرتنا والدتها بالزواج لم يكن لديها أي اهتمام .
مليكة لم أشعر قط بأنني أعيش مع زوجة أبي
مليكة لا تعرف لها أماً إلا زوجة أبيها، وتحكي قصتها قائلة: «لم أعرف أنني أعيش مع زوجة أبي إلا عند استخراج البطاقة الشخصية وملء البيانات فيها، وسألت أبي لماذا اسم أمي ليس هو المكتوب في شهادة الميلاد، حينها فقط علمت أنها زوجة أبي التي ربتني بعدما قررت أمي الطلاق وأنا عمري شهر واحد فقط، فتزوج أبي بعدها بشهرين ورعتني زوجته وأنا ما زلت رضيعة”.
تفيد مليكة بأنها لم تر أمها في حياتها، فلا أحد يعلم لها طريقاً ولا سبيلا، ولم تحاول ولا مرة رؤيتها.
وتتابع: «لم أشعر قط أنني أعيش مع زوجة أبي، ولم أجد فارقاً في المعاملة بيني وبين إخوتي من أبي سواء البنات أو الأولاد، فأمي سميرة هي التي جهزت شقتي التي تزوجت فيها، وفي حملي الأول كانت تأتي لخدمتي، وعندما وضعت مولودي أخذتني لأقيم معها أول شهر لترعاني، خاصة أن الولادة القيصرية كانت مرهقة لي جداً. والأكثر من ذلك أن علاقتها بي لم تتأثر بوفاة والدي، فما زالت تأتي إليّ وأذهب إلى منزل أبي لألتقي إخوتي، فلا أحد يعلم مطلقاً أنها ليست أمي، ولا أرى أن هناك داعياً ليعرف أحد، لأنها بالفعل أمي الحقيقية التي ربتني وغمرتني بحنانها”.
لا حنان يعلو على حنان الأم
كثيرا ما نرى أنه وعندما تتوفى الزوجة بفترة ليست بالطويلة، يفكر الرجل بالزواج من امرأة أخرى دون مراعاة لمشاعر أولاده، تقول السيدة مريم، لهذا يرفض الأولاد منذ البداية فكرة زوجة الأب، وفي هذا السياق تقول البنت كوثر إنه لا يوجد أحن من حنان الأم على أطفالها مهما كانت زوجة الأب حنونة لن تكون حنونة مثل الأم ولا يوجد إنسان بالعالم يحل محل الأم أو يعطي مثل حنانها حتى ولو كان الأب، و من جهتها تقول ياسمين البالغة من العمر 23 سنة إنه لا يمكن لأي حب أو حنان في هذه الدنيا أن يحل مكان حب وحنان الأم لأطفالها حتى وإن كانت زوجة الأب صالحة وتحبهم ولكنها لن تخاف وتعطف وتحنّ عليهم كما تفعل الأم والأطفال هم مسيرون ليقبلوا بهذه المرأة الجديدة في حياتهم “فلا أعتقد يوجد شخص يحب أن يرى مكان أمه امرأة أخرى” تضيف ياسمين.
الحكم على جميع زوجات الآباء أنهن سيئات ظلم كبير
تقول المختصة الاجتماعية فايزة رمزي إنه كثيرا ما تبدو صفة “زوجة الأب” للوهلة الأولى “صفة شريرة”، لكن الحكم على جميع زوجات الآباء أنهن سيئات ظلم كبير، وإن خافت زوجة الأب الله في أطفال زوجها، ستستطيع استمالة قلوبهم إليها وتعويض حنان الأم وَلو قليلا خاصة إن كانت الأم متوفاة.