يعمل الإنسان في الحياة الدنيا من أجلِ الحصول على منافعَ قليلةٍ، تساعده على الاستمرار في الحياة، ومهما كان الإنسان غنيًّا نتيجةَ هذه المنافع، فإنها مقارنةً بما يحصُلُ عليه المؤمنون في الجنة ودرجاتها لا تعد شيئًا؛ لأن الإنسان في الجنة يحصل على الدرجات العالية من خلال العبادات والطاعات، وهذه الدرجات حسب العمل الصالح، وتعتمد على قوة العمل الصالح، ” وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ” الأنعام: 132. فبيَّن الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضَل الناس في الدنيا، وأن درجاتها أكبر من درجات الدنيا، وقد بيَّن تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين، ” تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ” البقرة: 253.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن في الجنة مائةَ درجةٍ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فهو أوسط الجنة، وهو أعلى الجنة، وفوقَه العرشُ، ومنه تفجَّرُ أنهار الجنة” صحيح ابن حبان. والمراد بالمائة هنا الكثرة بالدرجات المُرْقَاة، والمراد بالدرجات المراتب العالية؛ أي إن لهم درجاتٍ بحسب أعمالهم من الطاعات. ويتَّضِح لنا من خلال ما سبق أن الجنة درجاتٌ؛ وذلك لأن عباد الله غيرُ متساوين في الأعمال، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقال – يعني لصاحب القرآن -: اقرَأ وارتقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّل في الدنيا، فإن منزلتَك عند آخر آية تقرأ بها ” رواه الترمذي. ومن هنا تبيَّن لنا أن أعلى درجات الجنة الفردوس الأعلى، فإذا سأل العبد ربَّه فليسأَلْه الفردوسَ الأعلى؛ لأنه أسمى وأرقى درجة في الجنة، ويحتاج العبد الجهدَ الكثير ليصل إلى هذه المرتبة، أو الدرجات العلا، ومما ينبغي أن يُعلَم أن العمل لا يكفي مستقلاًّ في دخول الجنة، بل لا بد من رحمة الله تعالى.