لقد شاء الله بعد أن اختبر صدق المؤمنين في مكة أن يفتح للمسلمين بابا من الأمل، فأسلم نفر من أهل يثرب في موسم الحج، وبايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة العقبة الأولى، ورغب الرسول الكريم في أن يمكن للإسلام في يثرب، فأرسل مع النفر الذين أسلموا شابًا صالحًا ذكيًا شجاعًا هو “مصعب بن عمير” ليقرئهم القرآن، ويعلمهم مبادئ الإسلام، ويقوم بنشره بين أهل يثرب.
وهناك نزل مصعب على “أسعد بن زرارة” وأخذ يدعو المشركين إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان يتنقل في يثرب من دار إلى دار، ومن ندوة إلى ندوة، تالي القرآن ذاكر ما يحفظ من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ضاربا المثل الطيب في العبادة والتقوى. ولم يكن يمَّر يوم دون أن يسلم الرجل أو الرجلان، ولم يترك بيتا إلا ترك فيه أثرًا طيبًا. وقد أسلم على يديه في يوم واحد سعد بن معاذ وأسيد بن خضير من كبار زعماء يثرب، وأسلم بإسلامها خلق كثير.
واستمر مصعب قرابة عام في يثرب، لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها صوت للإسلام يتردد. ومع استدارة العام، وخروج يثرب إلى مكة عاد مصعب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يبشره بما فتح الله عليه، ففرح الرسول عليه الصلاة والسلام بعودته، وبما فتح الله عليه، فرحا عظيما. ولما علمت أم مصعب بعودته أرسلت إليه تقول له “يا عاق أَتقْدِم بلدًا أنا فيه ولا تبدأ بي؟” فأجاب رضي الله عنه “ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وهاجر مصعب رضي الله عنه الهجرة الأخيرة إلى المدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم باثنتي عشر ليلة، ليكمل مع المسلمين نشر الدعوة الإسلامية في مرحلتها الجديدة.