في النوم سِرٌّ من أسرار الله الدالَّة على قيوميته ووحدانيته، وأنَّه سبحانه المتفرِّد بتدبير العباد في يقظتهم ومنامهم؛ ” وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” الأنعام: 60. إنَّ الأنفُسَ يتوفَّاها الله جميعًا عندَ نومها، فإذا شاء أن يُفسِح لبعضها في الأجَلِ، أعادها إلى الحياة مرَّة أخرى، ومن قَدَّر عليها الوفاةَ أمسكها، فلا يقظةَ بعد هذه النومة إلاَّ يوم يُنفخ في الصُّور، فمن ذا الذي يَقدِرُ على هذا ويُقدِّره سوى الله جلَّ جلاله ” اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” الزُّمر: 42.
لقد كان للمصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم هَديٌ عظيم في النوم، حيث كان ينام أوَّل الليل، ويقوم آخرَه، وأعدل النوم وأنفعه للبدن والأعضاء كما يقول الأطبَّاء ثمان ساعات في اليوم واللَّيْلة؛ أي: ما يعادل ثُلُثَ الليل والنهار، وإذا لم يأخذِ المرء كفايتَه من النوم أضرَّ بنفسه، وأوردها مواردَ التَّلَف والهلاك، وإذا نام زِيادةً على مقدار الحاجة اعتاد الخمولَ والكسل، وفوَّت على نفسه الكثيرَ من مصالِح الدنيا والآخرة، وقد جاء في منثور الحِكم “مَن لَزِم الرُّقاد عَدِم المُراد”. لقد كَرِه العلماء نوم الصبحة؛ لضرره على البدن، حيث يُضعِف القُوَى، وينهك البدن، ويورث الأمراض، ولأنَّ أوَّل النهار وقتُ الرزق والسعي شَرْعًا وعُرفًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “اللهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بكورها”، ولمَّا كان النوم هو المحطَّة الأخيرة في يوم المسلِم، وقد يكون المحطَّة الأخيرة في عمره الدنيويِّ، حَسُن أن يختمَ المسلِمُ يومَه بالطهارة، وذِكْر الله عزَّ وجلَّ جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنَّه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: “إذا أتيتَ مضجعك فتوضأْ وضوءَك للصلاة” أخرجه الشيخان. ومن هديه عليه الصلاة والسلام في ذِكْرِه لله عندَ النوم: أنه يجمع كفَّيه، ثم ينفث فيهما، ويقرأ فيهما بـ “قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس”، ثم يمسحُ بهما ما استطاع من جَسدِه، يبدأ بهما على رأسه ووجِهه، وما أقبلَ من جسدِه، يفعل ذلك ثلاثَ مرَّات.