إنَّ وقت السَّحَر من أفضل الأوقات للتَّذَكُّر؛ فالذَّاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصَّفاء، وبسبب بركة الوقت؛ حيث النُّزول الإلهي وفتح أبواب السماء.
وممَّا يدلُّ على كون القراءة في الليل أحد مفاتح التدبُّر قول الله عَزَّ وجَلَّ “وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا” الإسراء: 79 ، وقول الله عَزَّ وجَلَّ “إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً” المزمل: 6، قال ابن عباس رضيَ الله عنهما هو أجدر أن يفقه القرآن، ويقول ابن حجر رضي الله عنه عن مُدارَسَة جبريل لرسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم في كل ليلة من رمضان: “المقصود منَ التلاوة الحضور والفَهم؛ لأنَّ اللَّيل مظنَّة ذلك لما في النَّهار من الشَّواغل والعوارض الدنيويَّة والدِّينيَّة”.
قال الله تعالى: “لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ” آل عمران: 113، وقال عز وجل “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أو كَفُورًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً”.الإنسان: 23 – 26. قال الحسن بن علي رضيَ الله عنهما “إنَّ من كان قبلكم رَأَوُا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يَتَدَبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار” والشاهد قوله: “يَتَدَبرونها باللَّيل”، قال النَّووي: “ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر، وفي صلاة اللَّيل أكثر والأحاديث والآثار في هذا كثيرة، وإنَّما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عنِ الشَّاغلات والمُلهيات والتَّصَرُّف في الحاجات، وأصون عنِ الرِّياء وغيره منَ المُحبطات، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم “مَن نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرَأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنَّما قَرَأَهُ منَ اللَّيل” رواه مسلم، وفي هذا دلالة واضحة على أنَّ الأصل في القيام بالحزب منَ القرآن هو الليل، وفي حالة العذر فإنَّه يُعطَى الثواب نفسه إذا قضاه في النهار.