تحبُّ الملائكة الكرام استماع القرآن الكريم، وتحفُّ مجالسه، وتنزل أحياناً لاستماعه وللإنصات له، قال الله تعالى: ” أَقِمْ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ” الإسراء: 78. ومن أثر استماع القرآن في الملائكة الكرام استغراقهم في السَّماع حتَّى كادوا يَظهرون للنَّاس، وذلك عندما تنزَّلت ودنت من الصَّحابي الجليل أُسيد بن حُضير رضي الله عنه وهو يقرأ في صلاة اللَّيل، والشَّاهد من الحديث: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال له – بعد أن أخبره أُسيدٌ رضي الله عنه بما حصل له تلك اللَّيلة: “تِلْكَ المَلائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأتَ؛ لأَصْبَحْتَ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لا تَتَوَارَى مِنْهُمْ” رواه البخاري.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الجهر بقراءة القرآن في صلاة اللَّيل، وأنَّها سبب لحضور الملائكة ودنوِّها من القارئ. وأشار قولُه صلّى الله عليه وسلّم: “لا تَتَوَارَى مِنْهُمْ” إلى أنَّ الملائكة – لاستغراقهم في الاستماع – كادوا يظهرون للناس على خلاف جبلَّتهم من الاختفاء، الذي هو من شأنهم. ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: “إنَّ العَبْدَ إذا تَسَوَّكَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَامَ المَلَكُ خَلْفَهُ، فَيَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِه، فَيَدْنُو منه حتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيْهِ، فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيْهِ شَيءٌ مِنَ القُرآنِ إِلاَّ صَارَ في جَوْفِ المَلَكِ، فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُم لِلقُرآنِ” صححه الألباني.
وكان النبَّيُّ صلّى الله عليه وسلّم يحبُّ استماع القرآن العظيم؛ وتطيب نفسه حين استماعه له، ويظهر أثر الاستماع عليه بالتَّأثُّر والخشوع والبكاء. ولا عجب من ذلك فهو أرقُّ النَّاس قلباً، وأسرعهم دمعة، وأعظمهم تأثُّراً بالقرآن الكريم، فقد كان أعرفَ الخلق بالله، وأشدَّهم له خشية. ومن هذه المواقف المباركة: عن ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “اقْرَأْ عَلَيَّ” قالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: “إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي”. قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: ” فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ” النساء: 41. قالَ لِي: “كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ” فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ” رواه البخاري.