قال تعالى في سورة الإنسان: ” يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ” الإنسان: 7؛ فدلَّ بذلك على أنَّ هذا الفعل ليس مجرَّد فعل مباح امتدحه الله تبارك وتعالى، وإنَّما هو من العبادة؛ فالله سبحانه وتعالى لا يَمتدح إلَّا على فعل واجب أو مستحبٍّ أو ترك محرَّم؛ كذلك يبيِّن لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يكون النَّذر الصَّحيح: “لا نذر في معصية” رواه أبو داود وغيره، وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن نذَرَ أن يطيع اللهَ فليطِعه، ومَن نذر أن يَعصيَ الله فلا يَعصه” وقال ابن حجر في فتح الباري: واتَّفقوا على تحريم النَّذر في المعصية، فلمَّا علم ذلك تبيَّن لنا أنَّ صرف النَّذر وجعله أو التوجُّهَ به لغير الله تعالى مِن الشِّرك من حيث هو عبادة، إذا نذَر طاعةً وجَبَ عليه الوفاء بها وتكون عندئذ قُربة إلى الله تعالى.
ولهذا يكون التوجُّه لغير الله بالنذر إشراكًا، ثمَّ إنَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يحث على النذر ولا رغَّب فيه؛ لقوله: “إنَّ النَّذر لا يقرِّب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدَّره له، ولكن النَّذر يوافق القدَرَ فيخرج ذلك من البخيل ما لم يَكن البخيلُ يريد أن يخرج” رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقوله صلى الله عليه وسلم: “يُستخرج به من البخيل” يحثُّنا على العكس من ذلك، فنكون من المحسنين، فنقدِّم الطاعة على طلَب الحاجة، بينما يجعل الناذِر الصَّدَقةَ أو الصيام أو النُّسك أو الخير بعامة مشروطًا بقضاء الحاجة وتلبية الطلَب، ثمَّ إنَّ الناذِر يجعل لفعله الخير ثمنًا معجلًا يرتهن بالوفاء به قضاء حاجته، وهذا فيه اشتراط على المولى عزَّ وجلَّ وهو من سوء الأدَب مع الله، وهو من جهةٍ أخرى يضَع بعضَ النَّاس في مواجهة قوله تعالى: ” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ” الحج: 11.