إن للموت شدةٌ وسكرات؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله: تفكَّر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه! ومن حاكم ما أعدله! كفى بالموت مقرحًا للقلوب ومبكيًا للعيون، ومفرِّقًا للجماعات، وهادمًا للذَّات، وقاطعًا للأمنيات! قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، والأولياء والمتقين، فما لنا عن ذكره مشغولون؟! وعن الاستعداد له متخلفون؟! ” قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ” ص: 67، 68، قالوا: وما جرى على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، من شدائد الموت وسكراته، فله فائدة؛ أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت، وأنه باطن، وقد يطَّلع الإنسان على بعض الموتى، فلا يرى عليه حركة ولا قلقًا، ويرى سهولة خروج رُوحه، فيغلب على ظنِّه سهولة أمر الموت، ولا يعرف ما الميت فيه؟ فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدَّةَ ألمه، مع كرامتهم على الله تعالى، فالموت من أعظم الشدائد التي تنزل بالعبد في الدنيا؛ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وأعظم الشدائد التي تنزل بالعبد في الدنيا الموت، وما بعده أشدُّ منه إن لم يكن مصير العبد إلى خيرٍ، وأعظمُ من الموت الغفلة عنه، وعدم الاستعداد له؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا وأعظم منه الغفلة عنه، والإعراض عن ذكره وقلَّة التفكُّر فيه، وترك العمل له.
إن من أهم الأمور التي ينبغي للعبد أن يقوم بها استعدادًا للموت: المبادرة بالتوبة من جميع الذنوب، وعدم التسويف في ذلك، فإنه لا يدري متى يأتيه الموت؛ قال بعض الحكماء: لا تكن ممَّن يرجو الآخرة بغير عملٍ، ويُؤخِّر التوبة لطول الأمل. فالمؤمن لا يدري متى يُفاجئه الموت صباحًا أو مساءً، فمن أصبح أو أمسى على غير توبة، فهو على خطر؛ لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب، فيحشر في زمرة الظالمين؛ قال الله تعالى: ” وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” الحجرات: 11.