الإسلام دين عملٍ إيجابي مثمر؛ يعود بالنفع على العامل ومجتمعه في الدنيا والآخرة. ومن أخص ما نبَّه الدين على توخيه في العمل المثمر تلمُّس جوانب البركة فيه من حيث العمل نفسُه، وزمنُه، ومكانُه؛ لتحل البركة فيه؛ فتُكسِبَه ثبوتًا مانعًا من الانقطاع، وزيادةً تحميه من النقص، وأثرًا محمودًا باقيًا، وأجرًا مُدَّخرًا؛ وذلك مما يقتصر فيه على ما ورد به النص الشرعي؛ إذ البركة أمر غيبي لا يثبت إلا بدليل شرعي. هذا وإن من الأزمنة المباركة التي تعم بركتُها الأعمالَ الواقعةَ فيها وقتَ الصبح أولَ النهار؛ فذاك وقت عظيم أقسم الله به في موضعين من القرآن؛ كما قال سبحانه: ” وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ” المدثر: 34، ” وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ” التكوير: 18.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته بالبركة أول النهار، وكان ذلك الوقت وقت إنفاذه مهام الجهاد ذات الأهمية والأثر، روى صخر الغامدي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهمَّ بارك لأمَّتي في بكورِها “، قال: وكان إذا بعث سرية، أو جيشًا، بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلًا تاجرًا، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار، فأثرى وكثر ماله. بل ذكر أهل العلم أن حسن استغلال الصبح بافتتاحه بالطاعة مؤذن بامتداد بركته على اليوم كله، قال أبو ذر رضي الله عنه: “يومك جملك؛ إذا أخذت برأسه أتاك ذَنَبُه”، أي: إذا كنت في أول النهار بخير لم تزل فيه إلى آخره.
ومن أسباب حفظ الله لعبده، وقيامه بحاجته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء ” رواه مسلم. وللذكر وتلاوة القرآن بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس مزية؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعه، والمبادرة بالصدقة أول النهار من أسباب الظفر بدعاء الملائكة المجاب بالخلَف المبارك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا” رواه البخاري.