كم هي اللذة التي يحس طعمها ذلك المحسن بماله حينما يجد لإحسانه المالي أثراً طيبًا فيمن أحسن إليهم، يوم أشبع بطن جائع في يوم ذي مسغبة، أو كسا جسم عارٍ، أو عالج مريضًا، أو زوَّج عازبًا تائقًا، أو كفل يتيمًا أو أرملة، أو قضى دين مدين، أو فك قيد عانٍ، أو أغاث ملهوفًا، أو تحمل إيجار منزل لفقير مستأجر، أو بنى مسجداً، أو دار تعليم نافع، أو بيتًا لمحتاج. فكم تمر بالناس هذه الأيام من حاجات فقدَ فيها بعضُ الناس عائلهم، أو مسكنهم، أو عملهم الذي منه يقتاتون، أو راتبهم الذي عليه بعد الله يعيشون، فمن نظر إلى هؤلاء الناس وهم يذوقون مرارات هذه المضرات فأحسن إليهم بماله، فرأى أحوالهم بفعله الجميل قد صلحت، فإن اللذة ستمطر سحابها على قلبه، بعد أن مسح عن أولئك المعوزين غبار الحاجة، وأزاح عن وجوههم ظلام الفاقة، وأجرى نهر سعادتهم بعد أن جففه قحط المصيبة.
وقد يزيد الله تعالى في مكافأة عبده المحسن إلى الناس بماله وقت حاجتهم بأن يشفى مرضه أو مريضه، أو يفرج كربته، أو يهيئ له من يحسن إليه أو إلى أولاده من بعده كما أحسن إلى الناس، والجزاء من جنس العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “داووا مرضاكم بالصدقة” رواه الطبراني. ذكر بعض الدعاة أن رجلاً جاء فأخبره أنه كان يعاني من مرض القلب وقد سافر إلى لندن للتداوي، ثم عاد إلى وطنه، وفي يوم من الأيام ذهب لشراء اللحم من عند جزار، فرأى امرأة عجوزاً تبحث عن قطع اللحم المرمي على الأرض، فسألها عن ذلك، فقالت: إن أولادها لهم ستة أشهر لم يأكلوا لحمًا! فرقَّ الرجل لحالها، فقال لها: تعالي كل أسبوع وخذي كيلوين من اللحم وأنا سأحاسب الجزار فقالت: كيلو واحد يكفي، فقال لها: لابد أن تأخذي كيلوين. وحاسب الجزار حساب سنة كاملة، ثم رجع إلى بيته، فلما رآه أهله وأولاده استغربوا من نشاطه وتهلل وجهه، وظهور الصحة عليه، فذكر لهم القصة، فقالوا له: نسأل الله أن يشفي مرضك كما أسعدت هذه المرأة. ثم سافر إلى لندن وأجرى الفحوصات الطبية، فقال له الطبيب: أين أجريت العملية؛ إذ لم يعد للمرض أثر! فقال: لقد تاجرت مع الله فأغناني الله وشفاني.