إن الله جل وعلا قد عزَّى عباده جميعًا، قد عزَّى جميعَ الناس في أنفسهم، وأخبر أنهم جميعًا يموتون، كما قال عز من قائل: ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ” آل عمران: 185، وقال عز وجل أيضًا: ” كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ” القصص: 88، وأخبَر سبحانه نبيَّه محمدًا عليه الصلاة والسلام، وخاطبَه بهذا الأمر العظيم؛ لأنه أكرمُ الخلْق، وأشرف عبادِ الله جميعًا فقال له سبحانه ” إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ” الزمر: 30، وبذلك كانت هذه الآية الكريمة: ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ” آل عمران: 185 تعْزيةً لكل أحَد؛ ذلك لأنه ما مِن حيٍّ على وجه الأرض، ولا في هذا الوجود مِن الخْلق إلا ومآله إلى الموت، ” وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام ” الرحمن: 27. وما مِن مخلوق إلا وهو يُدافِع الموت ويكرهُه ويكرهُ لقاءَه. ولذلك لما أخبر بهذه الحقيقة نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مرةٍ، بحضْرة مِن الصحابة رضي الله عنهم تعجَّبوا مِن هذا، وتعجَّبوا مِن حديثه عليه الصلاة والسلام، وأنهم يكرهون الموت، واستغرَبوا ما يترتَّب على ذلك؛ مما سَبق إلى أنفسهم مِن أن كراهية الموت تقتضي كراهية لقاءِ الله تعالى، وقد وضَّح النبيُّ عليه الصلاة والسلام حقيقة هذا الأمر، كما ثبت في صحيحَيِ البُخاري ومسلم: عن عُبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ”، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، أو بَعْضُ أَزْوَاجِهِ رضي الله عنهن: إنَّا لنَكْرَهُ الموتَ، قَالَ: “لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المؤمِنَ إذَا حَضَرَهُ الموتُ بُشِّرَ برِضوانِ اللهِ وَكَرَامتِهِ، فَلَيْسَ شَيءٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أمَامَهُ، فَأحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الكافِرَ إذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيءٌ أكرَهَ إليْهِ مِمَّا أمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ”. فحريٌّ بالمؤمن أن يكون مستعدًّا لهذه اللحظات التي تتوقَّف عليها سعادتُه الأبديَّة، وإما شقاءٌ أبديٌّ عياذًا بالله من ذلك، “مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ”.
من موقع إسلام واب