في يوم قَائظ شديْد الوَهَج والحرَارة، أشعَلت فيه حَرَارة الشَّمس جنبَات المدينة وأرضَها، وبعْد الزوال حين قَام قَائم الظَّهيرة، إذا برسول الله يخْرج في هذه الأثناء على غَير عادته، فبينما هو يمشي إذا بصِديق هذه الأمة أبو بكر ومعه الفاروق عمر رضي الله عنهما قد لقيَاه في بعض الطُّرق، فتعَجب كل منهم من صَاحبه وخُروجه في هذا الوقت، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله. قال: وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا، فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، فبينما هم كذلك إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية – أي السكين -، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر: والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم.
أسأل نفسي، واسأل نفسك: هل خرجت يوما من بيتك من شدة الجوع إذ لم تجد في بيتك طعاما؟! ذاك سيد ولد آدم، أكرم الخلق على الله، يخرج من بيته من شدة الجوع، ومعه سيدا هذه الأمة أبو بكر وعمر.