ليست هناك نوايا معلنة أكثر وضوحًا، بدءا من العنوان والعبارة الافتتاحية، ومن دون الانتهاء عندهما. فماذا يقول فيلم يُفتَتَح بعبارة ديفيد بن غوريون: “لو كنتُ زعيما عربيا، لن أوقّع أبدا على أي اتفاق مع إسرائيل. هذا أمر طبيعي. أخذنا بلدهم، فلماذا عليهم تقبّل ذلك”؟
في “الدبابة وشجرة الزيتون، تاريخ آخر لفلسطين”، الوثائقي الجديد للفرنسي رولان نورييه عن القضية الفلسطينية، تتوالى ـ في طرحٍ مُدهشٍ، وتناولٍ مبتكَر، ورؤية جريئة لتاريخ الاحتلال الإسرائيلي ـ الحقائق التي تشير إلى اغتصاب حقٍّ وأرض.
بعد نحو 4 أسابيع على بدء عرضه في “قاعة فنّ وتجربة” في باريس، حدثت مفاجآت عديدة، مصدرها نظرة المخرج المؤلّف للصراع. ورغم أنّه اليوم الأخير للعرض، حضر الجمهور إلى هذه القاعة التي تعرض أفلاما “فنية” لا تعرضها قاعات عرض تجارية كبرى. فمن أتى لمُشاهدة هذا الفيلم المغاير؟ أهم العرب؟ لا يبدو هذا، فهؤلاء يعرفون “تاريخ فلسطين، من أصله إلى اليوم”، ولعلّهم لا يحتاجون إلى المزيد. الحاضرون فرنسيون، حرّضهم ملخّص الفيلم على التعرّف على هذا التاريخ، “بعيدا عما تسميه وسائل الإعلام بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، وذلك عبر “إنارة أساسية، تستند إلى عناصر واقعية لا تقبل الجدل، للتخلّص من الكليشيهات والأفكار المسبقة”، وللحصول ربما على إجابات لأسئلتهم عن المسؤول عن هذه “الاشتباكات” التي لا تنتهي.
المسؤول المُشار إليه في الفيلم (وفي الواقع)، ومن دون أي لُبْس، هو واحد لا أحد غيره: إسرائيل، التي اغتصبت وطردت ورحّلت وحاصرت، والمستمرة في تطبيق هذه الأفعال، وفي عمل كلّ ما من شأنه زيادة تدهور الأوضاع. في 100 دقيقة (مدة الفيلم)، تنتظرُ ظهور إسرائيلي واحد يعارض ما يقال، أو يستنكر ويُندِّد، أو يكتفي بالردّ وإيضاح وجهة نظره. لكن، ما من أحد. فالحقّ جليٌّ، لا نقاش فيه. ليس هذا فقط، بل تتردّد في الفيلم أقوال من نوع: مقاومة الفلسطينيين ليست “حقا فحسب” بل “واجبا”.
يعتمد الفيلم على الحوار، ولا يعبأ كثيرا بالشكل الفني أو بجودة الصورة. يقوم على سيناريو محكم وكرونولوجي، ويدعو، عبر نظرة نقدية مدعّمة بالوثائق والشرح، إلى تغيير زاوية الرؤية التي ينظر الغربيون عبرها إلى هذا “الخلاف”، فيستضيف كتّابا وحقوقيين وناشطين فلسطينيين وفرنسيين وإسرائيليين، وخبراء دوليين، ومؤرّخين، ودبلوماسيين من الأمم المتحدة، وأخصائيين في القانون الدولي. كما يقدّم، وإنْ بشكلٍ أقلّ، شهادات مواطنين عاديين. يطرح الأسئلة نفسها على الجميع، فتتّفق التحليلات المدهشة بجرأتها على عدم مجاراة الدعاية الصهيونية. تعرض أحيانا، بين إجابة وأخرى، أشرطة أرشيفية مصوّرة، قديمة وحديثة، ورسومات توضيحية مرفقة بسرد وتفسير، تدعم كلّها أقوال المتحدّثين، وتصبّ في اتجاه واحد: هناك اغتصاب لأرضٍ، واستبدال شعب بآخر، وظلم واقع على الفلسطينيين.