من نعم الله على الإنسان أن يكون له والدان على قيد الحياة، يُمتِّع ناظريه بهما صباح مساء، ويستفيد من نصحهما وتوجيههما له في حياته الشخصية والعملية، فهما الأقرب إليه من أي شخص آخر، والأعلم بحاله وما يليق به في حياته، ما يضره وما ينفعه، والكيفية التي يتجنب بها الأول ويأخذ بالثاني. فإذا أردنا أن نعرف عظم حق الوالدين، فإن بالنا يذهب مباشرة إلى كلام ربنا سبحانه وتعالى ” حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” الأحقاف:15، عندما نقرأ هذه الآية نندهش من الإحسان ورد الجميل اللذين يقعان على عاتق الابن تجاه والديه، ويكون ذلك حين يشتد عوده ويحس بالاستقلالية التامة عنهما، في حين أنه قد بلغ بهما الضعف أقسى درجاته، وهنا يتوضح معدنه الأصيل وكرامته كإنسان في الإشفاق على من كانا سببا في وجوده في هذه الحياة، وأطعماه وألبساه وربياه حتى يكون رجلا يكابد لوحده شدائد الدنيا.
إن التنويه بفضل الوالدين والحث على برهما، واجب علينا جميعاً سواء كان ذلك بمواعظ بالمساجد أو بكتابات تنوه بفضلهما أو على وسائل الإعلام التي تصل إلى جموع الناس، فذلك سيلقن الأجيال هذه المعاني العظيمة وينشئهم النشأة الفاضلة، ويكون ذلك باستجلاب قصص عن السلف وقمة أخلاقهم وشمائلهم في معاملاتهم لآبائهم، نسوق إليكم ثلاث قصص فقط، فها هو حيوة بن شريح الذي يكون في حلقة علمه يعلم الناس، فتطل عليه والدته تسأله إلقاء الشعير للدجاج، فيقوم ويترك مجلسه ذاك، وكان أبو حنيفة يُضرب كل يوم ليتولى عنوة منصب في القضاء، فأبى وبكى في بعض الأيام، ولما أطلق سراحه، قال أن غم والدته كان أشد عليه من وقع الأذى الجسدي الذي تلقاه، وكان علي بن الحسن لا يأكل مع أمه وأبيه في صحن واحد فسئل عن هذا الأمر، فقال أنه ربما يكون بين يديه لقمة أطيب مما التي هي بين يدي أمه وأبيه، وهما يشتهيانها.