ربطت “ندوة الصوفية إرث حضاري ومقاومة” بالصالون الدولي للكتاب، أوّل أمس، بين الزوايا وحركة المقاومة التي تعدّدت أوجهها حسب الزمن والمكان، وكيف استطاعت الزوايا أن تكون الحصن الحافظ للأوطان والمجتمعات خاصة في زمن الاستعمار الذي دخل القارة السمراء، وعاث فيها فسادا.
تناولت الندوة أهم الطرق الصوفية في إفريقيا ذات المنشأ الجزائري منها التيجانية والرحمانية والقادرية والشيخية والزيانية والهبرية والرقانية والعزوزية وغيرها، وعرض الدكتور رشيد بوسعادة المختص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا إشكالية التصوّف في تصور علماء الاجتماع، مؤكّدا أنّ هذا العلم له الكثير من النظريات والمقاربات منها العقلية والتجريبية الميدانية والمنهجية، ذكر منها مقاربة القلب ودوره في حياة الإنسان، علما أنّ علماء الطب اليوم أثبتوا نظرية القلب وأنه هو من يتحكّم في الانسان.
طرح المتحدّث “إشكالية الزوايا في المجتمع الجزائري” من خلال مقاربة سيوسيو-أنثروبولوجية، معتبرا أنّ مجتمع الزوايا الذي أنتج تراثا فكريا علميا دقيقا ومعقّدا، يحتاج إلى أدوات منهجية صائبة تعكس مضمون هذا الفكر، وعليه فإنّ أيّ دراسة للمجتمع الجزائري لابدّ أن تعود إلى مجتمع الزوايا، التي هي، حسبه، أكبر من حزب وأصغر من دولة وهي ذات نظام ملتزم يكفل التربية والتعليم والاستقرار الاجتماعي، مؤكّدا أنّ كلّ الثورات عندنا كان وراءها الزوايا وذلك إلى آخر مقاومة سنة 1916 (معركة البشير بن الحاج الرحمانية).
اعتبر الدكتور رشيد بوسعادة أنّ التصوّف نظام حياة أساسه روحي يربط بين الجانب الملموس الدنيوي والعالم الروحي، يتميّز بالتسامح، مبيّنا دور الزوايا كمؤسسات دينية دافعت عن الجزائر من خلال المقاومات الشعبية.
أما الأستاذ خضر عبد الباقي محمد من النيجر، مدير المركز النيجيري للبحوث العربية، فذكر أنّ فكر الزوايا تغلغل في العمق الإفريقي منذ القرن الـ15 خاصة في غرب إفريقيا، علما أنّ من بين أسباب هذا الانتشار هو الارتباط بالغيبيات وكذا إتباع الناس أعيانهم الذين اعتنقوا الصوفية.
في إفريقيا، كما يضيف المتحدث النيجيري، فإنّ الصوفية ارتبطت أكثر مع القيم والمثل والأخلاق في بعدها الفرداني ولم ترتبط بأيّ منحى سياسي واقتصر مفهومها على جهاد النفس وكفى، بينما التيار المقاوم المتمثّل في الزاوية السنوسية بليبيا وكذا في التيجانية بغرب إفريقيا (بوركينافاسو)، فعّل مفهوم المقاومة، فيما هناك تيار آخر براغماتي يدعو للمقاومة، حسب المرحلة والمتغيرات والظروف (حرب، تسوية، مهادنة)، وقال المتحدث إنّ رجال التصوّف كانوا لا يقربون السياسة باعتبارها عملا نجسا، لكن بعدها تغيّر الحال وأصبحت مناهضة للاستعمار وحامية للأقليات المسلمة ومقاومة لحملات التنصير، لترتبط أكثر بعدها في المقاومة الثقافية.
بدوره، تحدّث الدكتور عبد المنعم قاسمي من جامعة ورقلة عن زاوية الهامل وعن لالة زينب التي جابهت المستعمر وأبطلت مخطّطاته بالمنطقة، مؤكّدا أنّ العديد من الدراسات أجريت حول نضالها في أمريكا وأوروبا وما تزال حتى هذه الأيام، كما قال إنّ هذه الزاوية كانت الأغنى ماليا في الجزائر حتى نهاية القرن الـ19 م، ودعا أيضا إلى التفريق بين المدرسة وبين الزاوية.
أما المؤرّخ محند أرزقي فراد فتحدّث عن “دور الطريقة الرحمانية في مواجهة الاستعمار بمنطقة زواوة”، وترسّخ تراثها باللسان الأمازيغي الذي ظلّ محفوظا في المدائح والأشعار (قصائد صوفية) التي تؤدى في كلّ مناسبة اجتماعية..
ب.ص/ مريم. ن