قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ” ينادى الرب عباده المؤمنين به وبلقائه، وبرسوله، وبوعده لأوليائه، وهم أهل طاعته، وبوعيده لأعدائه، وهم أهل الكفر به والفسق عن أمره، يناديهم بعنوان الإيمان، لأنه يريد أن يكلفهم بما لا يقدر عليه إلا المؤمنون لكمال حياتهم بإيمانهم وولاية ربهم. فما الذي كلفهم به يا ترى؟ والجواب أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد إنه كلفهم بأمر عظيم ألا وهو الوفاء بالعقود والعهود وأولها الوفاء بالعهود، التي بينهم وبينه؛ إذ قال تعالى من سورة النحل: “وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ…” وقال “وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” فنعمة الله تعالى هي الإيمان به، والإسلام، والإحسان، وميثاقه تعالى الذي أخذه عليهم هو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا. فكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فقد قطع لله تعالى على نفسه عهدا وميثاقا، بأن يعبد الله تعالى وحده، وبما جاء به رسوله محمد ﷺ من الشرائع والأحكام، وهكذا كل من نذر لله نذرا فقد قطع على نفسه عهدا فليوف به إن كان صياما صام، وإن كان قياما قام، وإن كان رباطا رابط، وإن كان صدقة تصدق، وإن عجز كفر كفارة يمين، واستغفر الله وتاب إليه، ومثل عهود الله تعالى في وجوب الوفاء بها عهود الناس فيما بينهم، إذ الكل أمر تعالى بالوفاء به لاسيما العهود الموثقة بالإيمان، وما كان متعلقا بحقوق الناس. كحقوق النكاح، والبيع، والشراء، والإيجار، وكالأمانات مطلقا، فمن أؤتمن أمانة وجب عليه أدائها وحرم عليه إضاعتها أو خيانتها، لأمر الله تعالى بذلك كما في قوله تعالى: “إن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” وفي قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ”.
العلامة أبو بكر الجزائري