قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”. نادى الله تبارك تعالى عباده المؤمنين بقوله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا”، لأن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويعي ما يقال له، وذلك لكمال حياته ناداهم ليربيهم روحيا، ويهذبهم أخلاقيا. وكيف لا، وهو مولاهم ووليهم، وهم عبيده وأولياؤه. فقال لهم: “إِذَا تَنَاجَيْتُمْ” لأمر استدعى ذلك منكم، “فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ” حتى لا تكون حالكم كحال اليهود والمنافقين الذين يتناجون بالإثم أي بما هو إثم في نفسه، كما يتناجون بما هو عدوان على الرسول ﷺ وعلى أصحابه، ومعصية لله والرسول؛ إذ كانوا يتواصون فيما بينهم بعدم طاعة الله والرسول؛ لذا نهى تعالى أولياءه المؤمنين أن يتناجوا “بِالْأِثْمِ” وهو الغيبة وبذاء القول وسيئه، “وَالْعُدْوَانِ” وهو الظلم، “وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ” أي بعدم طاعته في بعض ما يأمر به أو ينهى عنه. فقال “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ” أي إذا استدعى الأمر مفاجأة بعضكم لبعض في تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول كما هي حال أعدائكم من اليهود والمنافقين. إذ نزل فيهم قرآن وهو قوله تعالى: “ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ….” الآيات ثم بعد أن نهى الله تعالى المؤمنين عن المناجاة المشابهة لمناجاة اليهود والمنافقين، أذن لهم في التناجى بما هو خير وطاعة لله ورسوله ﷺ فقال لهم: “وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ” الذي هو الخير بمعناه العام حيث لا لإثم فيه ولا شر والتقوى التي هي طاعة الله ورسوله ﷺ في أمرهما ونهيهما.
العلامة أبو بكر الجزائري