قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”. هل تذكر أيها القارئ أن المراد بالمؤمنين الذين ناداهم الله هم الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا ورسولا، وأنهم بإيمانهم أهل لأن يكلفوا وينهضوا بالتكاليف، فيفعلون منها ما يفعل، ويتركون منها ما يترك، وذلك لكمال حياتهم فها هو ذا تعالى قد ناداهم بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا” لينهاهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل، أي بدون حق كالإرث، أو التجارة، أو العمل، أو الصدقة على مستحقيها، لفقره أو مسكنته، أو لوجوبها كالنفقة على الزوجة، والولد، والوالدين، وهو معنى قوله تعالى: “لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ” أي بدون حق يقتضي الأكل، وعبر بالأكل، لأن الغالب في الأموال يؤكل بها، وإلا فكل مال أخذ بغير حق حرام سواء أكل به وشرب، أو بنى به وسكن، أو ركب به ولبس أو فرش، واستثنى تعالى مال التجارة فقال: “إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” فإن التاجر قد يشترى الشاة من صاحبه بعشرة برضاه، ويبيعها بعشرين، أو يشترى الدار بمائة ألف، وقد يبيعها بمائة وخمسين منه فلا يقولن قائل قد أكل فلان مال أخيه؛ لأنه باعه الشاة بعشرة، فكيف يبيعها بعشرين وقد أخذ عشرة بغير حق، والجواب أن الله قد أباح ربح التجارة بقوله: “إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” . ولنعلم أن إباحة ربح التجارة مشروط بشرط التراضي بين البائع والمشترى؛ لقول رسول الله ﷺ: “إنما البيع عن تراض” فإن لم يحصل تراض بينهما، فالبيع باطل، ومن أخذ تجارة بغير رضا صاحبه فربحه باطل، حرام، وعليه أن يرده إلى صاحب البضاعة التي أخذها بدون رضا بائعها.
العلامة أبو بكر الجزائري