قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونٍ”:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي يحمل أمرين عظيمين من التكليف، ولولا الله ما قدر مؤمن على النهوض بهما، إلا أن العبد إذا صدق ربه وأخلص النية والعمل له، ولجأ في صدق إليه، فإن الله لا يخيبه بل يسدده ويعينه حتى يأتي بهذين المطلبين العظيمين اللذان هما تقوى الله حق تقاته، والموت على الإسلام، إذ قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونٍ” . واعلم أيها المؤمن أن الأمر بالتقوى أمر به تعالى عباده المؤمنين في عشرات الآيات، وإنما قوله هنا حق تقاته. هذا الذي حير عقول العلماء إذ ليس في قدرة العبد ذلك، إذ لو ذاب العبد وتحلل وتبخر من خشية الله تعالى ما كان ذلك وافيا بتقوى الجبار الذي يقول للشيء كن فيكون، والذي الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه. والذي يحيى ويميت ويعز ويذل، وهو على كل شئ قدير. وقد ذكر أهل العلم من السلف الصالح أن تقوى الله حق تقاته هي أن يذكر تعالى فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، والذي يخفف على المؤمن همه في تقوى الله حق تقاته هو قول الله تعالى في سورة التغابن: “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم” فهذه الآية كالمخصصة لعموم قوله تعالى في هذه الآية “حَقَّ تُقَاتِهِ” والحمد لله. لنعلم أيها المؤمن أن العبد إذا حمل هم تقوى الله حق تقاته فأصبح يذكر ولا ينسى، ويشكر ولا يكفر، ويطيع ولا يعصى، وذلك في أغلب أوقاته، وأكثر أحواله، فإنه بحمد الله تعالى يحقق المطلوب منه وهو أن يتقى الله حق تقاته في حدود طاقته البشرية وخوفه الإنساني. واذكر أيها المؤمن أن تقوى الله هي طاعته، وطاعة رسوله، بفعل الأوامر واجتناب النواهي في حدود الطاقة البشرية، إلا أن هذه الطاعة متوقفة على معرفة الأوامر وكيف تفعل، ومعرفة النواهي وبما تترك. وهنا يتعين طلب العلم وهو معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته معرفة تثمر حبه تعالى في القلب، وخشيته في النفس، ومعرفة أوامره ونواهيه.
العلامة أبو بكر الجزائري