قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”. هل تدري أيها القارئ أن الله تعالي نادى المؤمنين في هذا النداء الثالث من سورة البقرة ناداهم ليأمرهم بالأكل من الطيبات مما رزقهم من أنواع المطاعم والمشارب للحفاظ علي حياتهم. إذ البنية البشرية استمرار حياتها وصلاحيتها متوقف علي الغذاء والماء والهواء. فالأمر هنا على هذا دال على الوجوب، إلا أن قوله “مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” يشير إلى أنه لما حرم المشركون على أنفسهم أنواعا من اللحوم كلحم السائبة والوصيلة والحام والبحيرة وأنكر الله تعالي ذلك عليهم، أمر المؤمنين بالأكل من الطيبات وهي كل ما أحله الله تعالي من اللحوم وغيرها. وأمرهم بشكره علي نعمه التي أنعم بها عليهم من أنواع الطيبات من الرزق الحلال. فالشكر يكون بالاعتراف بالنعمة وحمد المنعم عليها وصرفها فيما أذن أن تصرف فيه، وذلك كنعمة العلم والمال والبدن، فشكر نعمة العلم العمل به، وتعليمه للناس، وشكر نعمة المال أن يصرف في طاعة الله لا في معصيته. وشكر نعمة البدن أن يسخر في عبادة الله، وفعل الصالحات والمسابقة في الخيرات، وأخيرا إن الأمر بالأكل من الطيبات دال علي أن الأكل من المحرمات لا يجوز، والمحرمات قد بينها الله تعالي بقوله: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ” وبقوله تعالي: “وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل”. فالحذر الحذر أيها المؤمن من أكل الحرام وشربه ولباسه والاستمتاع به. واكتف بما احل الله تعالي لك عما حرم عليك فإنك عبده وتعبده فكيف يصح إذا أن تأكل ما حرم عليك وأنت عبده وعابده.
العلامة أبو بكر الجزائري