قال البروفيسور رشيد بلحاجي رئيس الوحدة الطبية – القضائية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، “إن قيام الشباب بإحداث ندوب في أجسامهم وتشويه ذواتهم، يجب اعتباره بمثابة نداءات استغاثة، مما يتطلب فتح حوار مع هؤلاء الشباب اليائسين”.
وأضاف المتدخل أن هؤلاء الشباب الذين يقومون بتشويه أجسادهم ويمارسون العنف عليها يشكلون “خطرا كبيرا”، وقد يرتكبون أعمالا “عنيفة جدا” لأنهم “فقدوا القدرة على تقدير الذات”.
وأوضح البروفيسور بلحاجي أن “الخطورة تزيد إذا كان محيط الشاب سيئا”، مضيفا أن هذه الدراسة أظهرت أن “الشباب مرتكبي أعمال العنف بالعاصمة لم يعودوا يستخدمون سكاكين صغيرة أو مطواة، بل وسائل أكثر خطورة قد تسبب الموت أو جروحا خطيرة (السيوف وبنادق الرمح أو مسدس، إشارة الاستغاثة…).
كما أشار، مستندا على نتائج هذه الدراسة، إلى أن “العنف عند الشاب يبدأ بعنف لفظي (سب وشتم وعبارات نابية) وإذا لم يتم وضع حد لهذا العنف اللفظي، من خلال تربية الأسرة والمدرسة، فإن هذا الشاب سيتورط لا محالة في العنف الجسدي ضد نفسه (تهذيب الذات أو الانتحار) أو ضد الآخرين”.
وأكد في السياق ذاته، أن “احترام الذات يظل الضامن الوحيد والحقيقي بالنسبة للشاب حتى يتمكن من مواجهة صعوبات الحياة ومساعدته على الابتعاد عن ويلات العنف”.
وتشير هذه الدراسة إلى وجود مسائل أخرى مرتبطة بالوشم وإحداث الثقوب والأقراط وحمل السلاح، وهي مؤشرات تشير إلى “أشخاص عنيفين وخطيرين”. وإذا تبنى الشاب سلوك تشويه الجسم إضافة إلى الشتم والسب، “فإنه سيكون لامحالة من مرتكبي أعمال العنف”.
من الجرح إلى الحرق
تحول إيذاء الذات إلى أمر سهل لدى بعض الشباب، فمن الجرح إلى الإحراق، لتكون هذه الأساليب مؤشرات لبوادر أعمال عنف عادة ما تشهدها العديد من الولايات عبر القطر الوطني وتحولت إلى لغة مخاطبة بين الشباب وبعض المسؤولين من أجل تحقيق مطالبهم بعد حالة القنوط واليأس التي تُحبط معنوياتهم وتؤدي بهم إلى أسوأ السبل بالمخاطرة بالنفس وأذيتها وإلحاق الضرر بها على الرغم من أنها سلوك مناف للفطرة وأعراف المجتمع، إلا أنها أضحت الأسلوب المستعمل لدى أغلب الشباب اليائس من أجل إسماع صوتهم وإيصال الرسالة إلى المسؤولين.
عناوين صادمة لوقائع درامية
شاب يحرق نفسه بعد أن صُدّت الأبواب في وجهه، مراهق يحاول الانتحار بسبب نتائجه، شاب يجرح نفسه بسيف من أجل إيصال صوته للحصول على سكن… هي عناوين وأخرى تتصدر صفحات الجرائد الوطنية مما يؤكد أن اللغة المستعملة لإيصال صوت الشباب إلى المسؤولين، هي لغة العنف في مجتمع أصبح يتنفس عنفا وفوضى. وانتهاج ذلك الأسلوب من طرف البعض لم يأت من العدم لكن بعد أن كلّوا ويئسوا من الوعود في كل مرة وفي لحظة قنوط وقع ما لم يكن في الحسبان ليكون مآل الشاب غرف الإنعاش بعد تعرضه إلى حروق بليغة أو جروح بآلات حادة على غرار السيوف والخناجر.
واقع يدعو إلى دق ناقوس الخطر
وهناك من الشبان من يقومون بأذية أنفسهم وتشويه أجسادهم تعبيرا عن رفضهم لواقعهم المر، وتجرعهم للبطالة الخانقة والفراغ القاتل وانعدم الاستقرار المادي والاجتماعي، فينفجر الشاب كالبركان ولا يعطف حتى على نفسه. وعادة ما يكون التعبير عنيفا بإلحاق جروح بمناطق متفرقة من الجسم أو الوشم بطريقة تشد انتباه الكل، كما يظهر رفض الشاب لواقعه من خلال العبارات النابية التي يطلقها أمام مرأى ومسمع الجميع، بحيث يثور على كل من حوله، وهي السيناريوهات التي تعيش على وقعها الأحياء الشعبية في عديد المرات.
كما أن هيئة بعض الشباب تشير إلى سلوكاتهم أو حالتهم الاجتماعية، خاصة وأن البعض ينتهجون أساليب تهدف إلى إخافة من حولهم من الناس وترهيبهم على غرار القصّات الغريبة ووضع الوشم والأقراط ولبس ملابس تشد الانتباه وكأنهم يحذرون غيرهم من عدم الاقتراب منهم لأنهم تحولوا إلى شرارة تتكهرب لأتفه الأسباب، وهذا مشهد آخر في مجتمعنا يمثل صورة أخرى من العنف. وعادة ما يكون هؤلاء أبطال حروب العصابات التي تندلع هنا وهناك، ولا إشكال لدى هؤلاء في استعمال أخطر الوسائل في تلك الحروب على غرار السيوف والسواطير بعد أن يحملوا شعار “قاتل أو مقتول” الذي ينتشر كثيرا بين هؤلاء.
ل. ب