في حياة نبي الله داود عليه السلام دروس وعبر منيرة، في جوانب كثيرة من الحياة، فهناك دروس علمية، وهناك دروس سياسية، وهناك اقتصادية، وهناك دروس عامة أخرى:
– فمن الدروس العلمية في قصة هذا النبي الكريم: بيان شرف العلم النافع وأثره الحسن في صلاح الحياة، سواء كان علم دين أم علم دنيا، فالعلم نور يشرق على جوانب الحياة الخاصة والعامة فيرى به صاحبُه السبل السوية فيسلكها، والأحوال المرضية فيأخذ بها، ونبي الله داود عليه السلام كان ممن جُمع له علم الدين والدنيا، فكان عالمًا بالشرع، وعالمًا بالسياسة، وعالمًا بالقضاء، وعالمًا بالصناعة، وغير ذلك. ومن الدروس العلمية: شكر الله تعالى على نعمة العلم النافع، علم الدين وعلم الدنيا، فالشكر يزيد هذه النعمةَ ويبارك فيها ويحفظها، قال تعالى: ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” إبراهيم7. ومن شكر العلم: استعمالُه فيما يرضي الله تعالى، كنفع الناس به، والاستعانة به على صلاح الدنيا والدين، وهكذا كان نبي الله داود مع ابنه سليمان عليهما السلام، قال تعالى: ” وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ” النمل15.
– ومن الدروس السياسية: أن قوة الدولة يورث استقرارَ البلاد، أما إذا وهنت وصارت ضعيفة فإنه سيعيث الفسادُ فيها، وتنتشر الاضطرابات المتنوعة في ربوعها، وتؤول إلى الزوال والاضمحلال. وحكم داود عليه السلام حينما كان مبنيًا على القوة العادلة استقرت دولته وشعب بني إسرائيل الذي حكمه. قال تعالى: ” وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ” ص20. ومن الدروس السياسية: أن العدل من أسباب بقاء الدول وراحة الشعوب، وقد مضت سنة الحياة على هذا، فكم بقيت دول قرونًا متعددة بسبب إقامة العدل، وكم فنيت دول كانت أشد قوة وبأسًا بسبب الظلم . وداود عليه السلام عندما كان حاكماً عدلاً ونبيًا صالحاً استقرت مملكته ونعُم شعبه في ظل حكمه. فقد أمره الله تعالى فقال له: ” فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ” ص26.
– ومن الدروس الاقتصادية: الحرص على العمل والكسب الحلال، والأكل من عمل اليد، دون الانتظار لكسب الآخرين. والسعيُ لطلب الرزق وكفِّ النفس عن الناس يصلح النفس، ويقوّي عودَ الدِّين، ويبني المجتمع وينبذ عنه الكسل والكسالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” رواه البخاري. ومن الدروس الاقتصادية: وجوب تسخير نعمة معرفة الصناعات النافعة في نفع الناس وإصلاح عيشهم، ودفع الضرر عنهم قال تعالى: ” وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ” الأنبياء: 80. ومن الدروس الاقتصادية: تفاوت الناس في الأرزاق، وهذا راجع إلى علم الله تعالى وحكمته، فليس الخير دائماً في الغنى، وليس الشر في الفقر، بل الخير في الرضا بقسم الله تعالى واختياره، قال تعالى: ” إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ” الإسراء 30، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” رواه احمد.