يخوض نبيل موالدي، حرفي ابن مدينة القليعة، حربا ضروسا ضد الإعاقة منذ أن غدرت به دراجة الموت ذات يوم من تسعينيات القرن الماضي وأقعدته على كرسي متحرك وهو في أوج شبابه وقوته.
يعود نبيل في حديثه إلى ذلك اليوم الأسود الذي غيّر مجرى حياته ومجرى حياة عائلته برمتها، ذات يوم من شهر فيفري عام 1994، عندما تعرض لحادث مرور بوسط مدينة القليعة، بالضبط بشارع الجزائر العاصمة وكان يومها في ربيعه الـ21.
لحظة صادمة غيرت مجرى حياته
نبيل، الشاب الأنيق، الوسيم والطموح لحياة أفضل، يتذكر جيدا لحظة صدمته سيارة نفعية مجنونة قبل أن تمضي لوجهة مجهولة ولم يعثر لها على أي أثر ليومنا هذا، بينما كان، كغيره من الشباب، يستمتع بهوس ركوب الدراجة النارية كلما أنهى يوما شيقا وشاقا بورشة والده لصناعة السلال وأثاث الصفصاف، صناعة تقليدية تشتهر بها مدينة القليعة العريقة.
يتذكر الحادث والصدمة، وكيف لم يكن يومها يعي تماما حجم وتداعيات إصابته الخطيرة على مستوى عموده الفقري.
وقعت الواقعة، صاحب السيارة فر وتنكر لجريمته، أما نبيل، فدخل في نفق مظلم بدايته كانت مصلحة الإنعاش بمستشفى الدويرة، فدامت غيبوبته أكثر من شهرين قبل أن يسترجع وعيه ولكن بعد فقدان قدرة المشي.
وجاءت بعدها المرحلة الثانية، سنتين من العلاج، إعادة التأهيل الحركي والأنشطة الرياضية المكثفة بمستشفى زرالدة على أمل استرجاع قواه كاملة غير منقوصة والعودة مجددا لنشاطه بورشة والده.
يروي نبيل بـ “حرقة” آلامه وآماله التي سرعان ما تبعثرت عندما جاءت ساعة الحسم وأخبره الأطباء بقدره المحتوم، “الكرسي المتحرك”، فقد نهائيا القدرة على الوقوف، القدرة على المشي.
وقال نبيل في هذا الشأن: “لم أكن أفكر بتاتا في هذا السيناريو الكارثي، كنت أعالج وأتابع بجدية حصص التأهيل الحركي وكان أملي كبيرا في أن ينتهي الكابوس يوما ما وأسترجع كامل قواي الجسدية قبل أن أتعرض لصدمة ثانية، وقعها على نفسيتي كان أكثر من الأولى، كادت أن تعصف بي لولا مساندة العائلة، الأصدقاء والجيران والأحباب”.
صعوبة التقبل والمواجهة
بعد مرور سنة على خروجه من مستشفى إعادة التأهيل الحركي بزرالدة، أي سنة 97، التزم نبيل البيت العائلي ولم يغادره إلا نادرا، فلم يكن باستطاعته مواجهة نظرة المجتمع وقبول الكرسي المتحرك والتأقلم مع الوضع الجديد الصعب جدا، فكانت وقتها زيارات الأصدقاء وتضامن أسرته الفاصل الذي سمح له بالاندماج مجددا في المجتمع.
بدأ يغادر قوقعته بالخروج في نزهات رفقة الأصدقاء وأفراد العائلة، فعادت إليه نسبيا الرغبة في الحياة مجددا، التحق بعدها بورشة والده وكانت ساعات العمل حين كان يداعب السلال ويترك العنان لإبداعه وهوسه بحب هذه الحرفة التي توارثها عن الأجداد كفيلة بإخراجه ولو جزئيا من عالمه الحزين.
أقلع نبيل عن التدخين وواظب على ممارسة الرياضة، انخرط في جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة وأصبح يشارك في الاحتفاليات الخاصة بهذه الفئة. الاحتكاك سمح له بالتعرف على تجارب آخرين رفعوا التحدي وقاوموا الإعاقة ونظرة المجتمع.
أصبح نبيل موالدي يشارك أيضا في معارض وطنية وجهوية للصناعات التقليدية وصنع لنفسه اسما بمدينة القليعة بما تجود به أنامله من صناعة حرفية تبهر الناظر.
اقتنع نبيل بضرورة مواجهة الإعاقة ونظرة المجتمع على حد سواء، في صمت وبالعمل والاجتهاد دون الاكتراث للفشل أو الخضوع للإحباط رغم صعوبة المأمورية.. وقلة الإمكانيات.
الواقعية ورفع التحدي
يعمل نبيل حاليا وهو البالغ من العمر 47 سنة، بواقعية على رفع تحدي بناء أسرة، الزواج، البحث عن رفيقة الدرب، وهو الهدف الذي سطره بعدما عاش سابقا على فقدان هذا الأمل، أمل عاد للحياة بعد أن تعرف مؤخرا على تجربة زواج ناجحة لزوجين من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقال في هذا الموضوع: “سابقا كنت أعتقد أنه يستحيل علي أن أتزوج وأنعم بحياة أسرية سعيدة، أن ألتقي بتوأم الروح، قد يكون بسبب حاجز نفسي لازمني طويلا، لكن الأكيد أن أملي اليوم قائم على الظفر بعروس العمر ومواصلة بقية مشوار الحياة”.
ق. م