في أول ظهور روائي لها، اختارت الكاتبة الجزائرية، شيماء بوصبع، أن تسلك طريقًا مغايرًا لما هو معتاد، عبر بطلتها “نايلة”، تلك الشابة التي وُلدت وترعرعت في أوروبا، وتحديدًا في باريس، بعيدًا عن موطنها الأصلي، ولكنها لم تكن أبدًا بعيدة عن روح الوطن.
فـ”نايلة”، التي اختار لها والدها اسمًا يعكس انتماءها لجذور أولاد نايل، كانت تعيش على وقع الحكايات… حكايات الأب عن الجزائر، عن الأرض، عن التقاليد الصحراوية، عن الحلي واللباس، عن المرأة النايلية بكل ما تحمله من رمزية وجمال. كانت تلك الحكايات بمثابة جسور تربطها بأرض لم تطأها قدمها بعد، لكنها عاشت فيها بكل حواسها وخيالها، فكوّنت في ذهنها صورة نمطية ساحرة عن البلاد، عن الصحراء، عن الأهل، عن الطمأنينة والانتماء. تحملها الحنينات، إذًا، إلى الجزائر، إلى بوسعادة تحديدًا، وهناك تبدأ رحلتها الحقيقية. فالمكان لم يكن غريبًا عنها؛ بل بدا وكأنه نسخة حية من الصور المحفوظة في ذاكرتها. تسكنها المدينة وتأسِرها الطبيعة، ويأخذ علي، شاب من أبناء المنطقة، مكانه في قلب الرواية كشريك في الحكاية… وبداية لصراع. لكن نايلة، القادمة من واقع أوروبي بمفاهيم مغايرة، تصطدم بالفوارق: في الفكر، في نمط الحياة، في التقاليد الاجتماعية، وحتى في الأحلام. بين ما روته الحكايات وبين ما كشفته الحقيقة، يتولد صراع داخلي: صراع الهوية والذاكرة، صراع الوطن الحقيقي والوطن المُتَخيّل. فتكتشف أن العودة إلى الجذور ليست دائمًا ملاذًا، بل قد تكون أحيانًا صدمة وجودية تكشف هشاشة التصورات، وتطرح أسئلة كبرى عن الانتماء والذات والمصير.
ب. ص