مِن المحَن تأتي المنَح

مِن المحَن تأتي المنَح

قد يَنظر الإنسانُ إلى الظواهر ويَترك البواطن، فينظر إلى آلام المخاض ويَنسى فرحة الميلاد، إن الذهب حينما يُستخرَج خاماً لا بد أن يُوضع في النار حتى يُنقَّى مِن الشوائب، ويَصير ذا قيمة؛ كذلك تَفعل المحَنُ بالمسلم، قال تبارك وتعالى: ” وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ” آل عمران: 141. وفوائد المحَن كثيرة؛ منها:

– أنها تُظهِر الصديقَ مِن العدوِّ، وتُعرِّف الإنسانَ محبِّيه مِن مبغِضيه؛ فيَظهَرون وقت الشدَّة، أما المحبُّ فيقف بجانبك منصفًا، وأما المبغِض فيقف وراءك شامتًا، والشماتة ليست مِن خُلق المسلمِ، وفي الأثر: “لا تُظْهر الشماتة لأخيك، فيرحمه اللهُ ويبتليك”.

– أنها تؤدِّي إلى مراجعة النفس، ومعرفة مسارها، ومِن أين أُتيت، فيصحِّح الإنسانُ مسارَه، ويُقاوِم عيوبَه؛ فيصبح شخصًا آخر يقرُّ بالحق، ولا يُعاند بالباطل، فيقرُّ بخطئه، ويَعترف بذنبه، ويتوب إلى ربه.

– أنها تعرِّف الإنسانَ قدْرَ النعمة التي هو فيها فيَشكُر اللهَ عليها، ويحافظ عليها، إذِ النِّعَم منسيَّة فإذا فُقِدَت عُرِفَت، فيجتهد بالحفاظ على النعم بطاعة الله، وإتقانِ العمل، وسدِّ الثغراتِ، وإصلاح النيَّة.

– أنها تُخرج الطاقاتِ الكامنةَ؛ فتظهر قدرة الإنسانِ الحقيقية، وتُعَوِّده الجدَّ بعد أن تَعوَّد الكسل، والنشاطَ بعدَ الخمولِ، والعملَ لِدِين الله بعد أن أَخَذَت الدنيا مَجامِع قلبِه… فمِن المحَن تأتي المنَح.

– أنها تُعرِّف الإنسانَ حقيقةَ الدنيا، وأنها بين لحظة وأخرى تنقلب على صاحبها، ألا فليعملْ للهِ؛ فهو ضمانُ الفوز، ولا يشغل نفسَه بالرزق والدنيا فهي آتيةٌ لا محالة.

– أنها تكفِّر الذنوبَ، وتُقرِّب مِن رب العباد، وفي الحديث: “لا يزال البلاءُ بالمؤمن حتى يمشي على الأرض ولا خطيئة له”.

– أنها تَكْسِر القلبَ لله، وتُزيل الكِبْرَ مِن النفسِ فيعُود العبدُ ذليلًا بين يديِ اللهِ تعالى، وحينئذٍ يعُود القلبُ قريبًا مِن الله، بعيدًا عن الشيطان. كذلك أنها تجعل بين الإنسان وبين الخطأ والزلل حاجزًا نفسيًّا عميقًا، فلا يقع فيه مرة أخرى، وتجعله يتَّخذ بَعده سبيلًا يرفعه ولا يخفضه، يُعزُّه ولا يُذلُّه.

من موقع وزارة الشؤون الدينية