ميراث المرأة بين الجاهلية والإسلام

ميراث المرأة بين الجاهلية والإسلام

إنَّ قضيَّة الإرث وتوريث ما يتركه المتوفَّى لمن بعده من أموالٍ وأملاكٍ وأراضٍ وعقاراتٍ وغيرها هي من أقدم القضايا التي تتعلَّق بالعادات والتَّقاليد والسُّنن المتوارثة في حياة المجتمعات الإنسانيَّة، ولقد كانت معظم الحضارات القديمة – هنديَّةً أو صينيَّةً يونانيَّة أو رومانيَّة أو عربيَّةً جاهليَّة وغيرها – تخصُّ بالإرث الرِّجال الأقوياء الذين يُقاتلون ويُدافعون عن الأرض ويحمون أهل العشيرة من الأعداء؛ لذا توارثت هذه الحضارات هذه العادة السَّيِّئة في حرمان النِّساء والضُّعفاء والذُّكور الصِّغار الذين لا يشاركون في المعارك لصغر سنِّهم. فظلَّت المرأة محرومةً من الميراث دهوراً متعاقبة حتى جاء الإسلام وقَلَب مقاييس الحياة رأساً على عقب، فكسر الطَّوق المألوف، وفَكَّ عن المرأة حصار الحرمات، وأقرَّ حَقَّها بالإرث من والديها ومن أقاربها، فأصبح الإرث نظاماً اجتماعيّاً تشريعيّاً بقرارٍ إلهي، يشترك فيه الذُّكور والإناث، والضُّعفاء والأقوياء، والكبار والصِّغار، ونزلت أوَّلُ آيةٍ تُبيِّن أنَّ للنِّساء نصيباً في الميراث، وهي قوله تعالى ” لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ” النساء: 7.

فأفرد الله تعالى ذِكْرَ النِّساء بعد ذِكْرِ الرِّجال، ولم يقل: للرِّجال والنِّساء نصيب؛ لئلاَّ يُستهان بأصالتهنَّ في هذا الحُكْم، وهذا الحقُّ للنِّساء ثابت، ولو كان قليلاً مُحتقراً؛ حتى لا يُبْخَس حقُّهنَّ في الميراث، فقال سبحانه: “مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ”، ثم قال سبحانه: ” نَصِيبًا مَفْرُوضًا ” فلا بدَّ من وجود فارِضٍ، ومفروضٍ عليه، فالذي فَرَضه هو الله تعالى مالِكُ المُلك يؤتي ملكه مَنْ يشاء، وما دام أنَّه نصيبٌ مفروض، فلا بدَّ من أن يكون له قَدر معلوم، ويتمُّ إيضاحه، فنزلت بعد ذلك الآيات التي تُوَضِّح وتُبيِّن هذا النَّصيب المفروض، هكذا أعطى الإسلام للمرأة الحقَّ في الميراث، مراعياً حالها من حيث كونها: أمّاً، أو زوجةً، أو بنتاً، أو أختاً، وفصَّل ذلك في قرآنٍ عظيمٍ يُتلى إلى يوم القيامة؛ ليكون شاهداً على أنَّ الإسلام دين يُعلي من شأن المرأة ويحفظ لها كرامتها، ويحتفي بها أيَّما احتفاء، وليكون مسجِّلاً لنفسه سبقاً في هذا المضمار على جميع الشَّرائع والقوانين الوضعيَّة، التي ما زالت تتَّهم الإسلامَ بسوء المعاملة للمرأة، متناسين فضله وسبقه عليهم جميعاً، وغير مدركين أنَّه تشريعٌ إلهي صادر ممَّن يُؤتِي فضله مَنْ يشاء، وهو ذو الفضل العظيم.