60  عاما تمر على اغتياله

مولود فرعون… أنا أناضل ضدكم بلغتكم

مولود فرعون… أنا أناضل ضدكم بلغتكم

كان الأديب الشهيد العملاق مولود فرعون قامة أدبية جزائرية يكتب باللغة الفرنسية، وقتلته المخابرات الفرنسية قبل استقلال الجزائر بقليل، قيل له لماذا تكتب بلغة الاستعمار، فأجاب: أكتب باللغة الفرنسية لأقول لفرنسا، إننا في الجزائر لا و لن نكون فرنسيين.

في الخامس عشر من مارس 1962، وقبل أيام قليلة من إعلان وقف إطلاق النار بين الحكومة المؤقتة الجزائرية وسلطات الاحتلال الفرنسي، اغتالت “منظّمة الجيش السري” الفرنسية الكاتب الجزائري مولود فرعون الذي يشبهه الكثيرون بـ الشاعر الإسباني لوركا الذي اغتالته جنود فرانكو…

واقتحمت مجموعة مسلحين لمنظمة الجيش السري الفرنسية، قاعة اجتماعات بالمركز البيداغوجي بابن عكنون بأعالي الجزائر العاصمة، أين كان مولود فرعون يحضّر جلسة عمل مع زملائه واغتالته رميا بالرصاص رفقة أصدقائه علي حموتان وصالح عودية وايتيان باسي وروبرت ايماري وماكس مارشون، وجميعهم رؤساء مراكز اجتماعية تربوية (مفتشو التعليم).

وتشاء الصدف أن يكتب مولود فرعون ساعات قليلة فقط قبل اغتياله، مثلما سجل في “يومياته”، “أن الرعب يعشش في العاصمة ولكن الناس مع ذلك يتنقلون، فالذين عليهم اكتساب قوتهم اليومي أو قضاء حاجياتهم مجبرون على الخروج، فهم يخرجون دون أن يعلموا إن كانوا سيعودون أو سيموتون في الطريق”.

ويضيف قائلا: “بالرغم من أنني لا أريد أن أموت ولا أن يموت أبنائي إلا أنني لا اتخذ أي احتياطات خاصة”.

ووقف “مولود فرعون” في وجه الاستعمار الفرنسي لا يملك إلا اللغة الأدبية والتعبير عن الوجع الجزائري والمعاناة مستخدما اللغة الفرنسية في النضال ليقول للمحتل، “أنا أناضل ضدكم بلغتكم، ولأبعدكم عن (الدروب الوعرة) التي تعشق قبائلنا أن تعيش أجمل الأيام القبائلية فيها.. أنا أناضل ضدكم ولن تمنعني ثقافة المهجر من النطق بما تحتاجه الثقافة الجزائرية التقليدية”.

ووُلد مولود فرعون في 18 مارس عام 1913، في قرية بتيزي وزو من عائلة فقيرة وعلى الرغم من فقره، فقد استطاع الالتحاق بالمدرسة الابتدائية في قرية “تاوريرت موسى”، ولم تردعه الظروف الصعبة عن إكمال دراسته الأولية.

وبعدها خاض عديد الصراعات ليلتحق بالمدرسة الثانوية، وكان المعتاد في تلك الفترة أن يترك الأطفال الدراسة بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية، وبعد إنهائه الثانوية دخل مدرسة المعلمين بالجزائر العاصمة.

وعيّن بعد تخرجه عام 1935 في قريته مدرسا، ثم التحق بعدها بمدرسته الابتدائية عام 1946 وترقى في المناصب التعليمية حتى أصبح مديراً لمدرسة “نادور” بالجزائر العاصمة عام 1957. وكان آخر مناصبه مفتش لمراكز اجتماعية عام 1960.

وإلى جانب جهده التربوي كان لمولود فرعون نشاط نقابي حاول من خلاله مواجهة سياسة التمييز العنصري التي اتبعها المستعمِر الفرنسي في جميع المجالات، وأدّت إلى إفقار الجزائريين وتجويعهم وإذلالهم ومصادرة أراضيهم، مما دفع بالكثير منهم إلى مغادرة البلد للعمل في المنفى بظروف صعبة، مثلما فعل والد فرعون طوال حياته.

وكان مولود فرعون يكتب بالفرنسية كي يقول للفرنسيين بأنه ليس فرنسيا، وخلّف روائع شكّلت إرثا أدبيا وطنيا، منها “ابن الفقير” (1950) والتي اعتبرت سيرة ذاتية للكاتب إلى جانب “الأرض والدم” (1953) و”الدروب المتصاعدة” (1957) التي صدرت عن دار النشر “لو سوي”، “أيام في منطقة القبائل” (1954) و “أشعار سي محند”(1960).

وتم إصدار مؤلفات بعد وفاته وهي “جورنال” (اليوميات) التي كتبها ما بين (1955-1962) الصادر في 1962، “رسائل لأصدقائه” (1969) و”عيد الميلاد” (1972) و”مدينة الورود” سنة 2007.

وتعد رواية “ابن الفقير”، أهم إبداعاته والتي قال عنها: “كتبتها على ضوء شمعة ووضعت فيها قطعة من ذاتي”، وهي تسجل ما يشبه السيرة الذاتية، بالإضافة إلى روايته الرائعة “الدروب الوعرة”، وهي من أولى الروايات التي انشغلت بقضية المسيحيين الذين يعانون من رجعية العادات والتقاليد.

ب/ص