مولود بن زادي: “تجار الرواية” لا يكتبون لنشر قيم الإنسانية والحضارة

مولود بن زادي: “تجار الرواية” لا يكتبون لنشر قيم الإنسانية والحضارة

منذ انطلاق روايته الأولى “عبرات وعبر”، التي تروي معاناة الجزائر أثناء حرب التحرير 1954-1962، إلى روايته الأخيرة “انجلينا فتاة من النمسا”، التي تُصنَّف ضمن روايات أدب المهجر، ثمة نقلة أدبية شهدتها مسيرة الأديب الجزائري مولود بن زادي، تمثلت في خروجه من التعبير عن الواقع المحلي إلى رغبته في إيصال تجارب أجناس أخرى إلى داخل الوطن العربي. وفي حواره مع “الجريدة” من القاهرة، كشف بن زادي عن هذه الرغبة بقوله: “أشعر أني أستطيع نقل هذه التجارب والأفكار من خلال الرواية للدفاع عن المحبة والسلام وعالم واحد آمن لكل البشر”، متهماً “تجار الرواية” بإضعافها، كما تحدث عن أعماله ورؤيته للعديد من القضايا الأدبية.

وأوضح شارحا:”ما أشبه الكتابة بالموضة، فإن كانت الغلبة لهذا الصنف الأدبي في عصرنا، فهذا لا يعني مطلقا أن الرواية ستحتفظ بهذه المكانة للأبد، والغريب في عصرنا هذا، ربما، هو تخلي الشاعر عن الشعر وتحوله إلى كتابة الرواية، وقد لا يتقن فنونها. الأدب أشبه بالتجارة، إذ عادة ما يتخلى التاجر عن البضاعة الكاسدة التي لا طائل منها ويستبدلها بتجارة أخرى تدر عليه الأرباح، “تجار الرواية” لا يكتبون لأجل نشر قيم المحبة والإنسانية والحضارة بقدر ما يكتبون لأجل الفوز بجوائز وتحقيق شهرة، والغريب في الأمر أنه كلما فاز أحدهم بجائزة وحقق شهرة، ازداد هوسه، ورغبته في كسب أضعاف مضاعفة من الجوائز، وتحقيق كثير من الشهرة، وقد يحقق مكاسب من الجوائز، والشهرة وهو غير قادر على تقديم إضافة بعدما استهلك أفكاره، فنراه يكرر نفسه تارة، وغيره تارة أخرى، وهو لا يدري، لقد أدى هذا التهافت إلى إغراق السوق العربية بالكتب في مجتمعات معروفة منذ أجيال بعزوفها عن القراءة.

وعن رأيه في الدور الذي يمكن أن يؤديه أدباء المهجر في محاربة التشدد ونشر القيم الإنسانية والحضارية قال: “نذكر جيدا الدور الذي لعبه كبار أدباء المهجر أمثال: “جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة” في محاربة الجهل، والتشدد والدعوة إلى المحبة والإنسانية، ونذكر هجومهم العنيف على الدولة العثمانية في وقت كان المحلي منشغلا بتمجيد القومية وحتى اليوم، وفي الوقت الذي يكتب فيه المحلي عن الأوطان والثورات العربية، وأي فوضى تندلع هنا أو هناك في الوطن العربي، ها نحن نكتب عن مواضيع تخص العالم، وقد سعيت لتوضيح جانب من ذلك في رواية “أنجلينا فتاة من النمسا” بناءً على تجارب شخصية، لقد علّمنا المهجر الكثير بما في ذلك الإيمان بالانتماء إلى الجنس البشري والمحبة والإنسانية.

ويعتقد بن زادي أن الأدب العربي يهتم بالشكل، بينما يركز الأدب الغربي على الفكرة وأشار قائلا:”ومن سمات كثير من المؤلفات العربية المغالاة واللف والدوران وهو ما يصعب فهم النصوص، الأمر مختلف تماماً في المؤلفات الأجنبية التي عادة ما تتوخى البساطة والوضوح، والمثال البسيط على ذلك رواية “بائع الحليب” للإيرلندية آنا بيرنز الفائزة بالجائزة العالمية “مان بوكر” للرواية في عام 2018، التي تصوّر الصراع الطائفي المستمر في إيرلندا الشمالية، بلغة بسيطة بعيداً عن الحشو، أما الأدب العربي اليوم فهو “أدب الجوائز” يتسابق فيه الكتّاب لإصدار روايات كل سنة تشارك في مسابقات الجوائز، نشعر أن الكاتب يكتب لأجل الجائزة، ولا يتحرر من ذلك حتى إذا فاز بها، فنراه يكتب مجددا لأجل الجائزة، ونشعر أن المواضيع التي يختارها الكاتب العربي في هذا العصر صارت تسير نحو إرضاء لجان الجائزة، ولأجل كسب الجائزة، وليس بالضرورة خدمة لرسالة الأدب والإنسانية والحضارة البشرية المشتركة”.

وعن مشاريعه المؤجلة التي يحلم بتحقيقها، كشف بن زادي:”رواية جديدة تقع أحداثها في مدينة لندن أواصل من خلالها إجراء مقارنات بين الشرق والغرب، على منوال رواية “أنجلينا فتاة من النمسا”، التي اعتبرتها دراسات نقدية “رواية صادمة”، لأنها تحمل مفاهيم وأفكارا جديدة، ومختلفة، ونابعة عن البيئة الجديدة، وبدأت الرواية ثم توقفت حيث تساءلت عن جدوى مواصلة هذا النوع من الروايات إذا لم يلق صدى في المجتمعات العربية، ولدى الهيئات الثقافية العربية، هذا النوع من الروايات الجريئة يضعني في مواجهة تيار محافظ في الوطن العربي، وأنا لا أرى جدوى مواجهة من هذا القبيل دون دعم أو طائل”.

ب/ص