مولده صلى الله عليه وسلم.. ميلاد أمة

مولده صلى الله عليه وسلم.. ميلاد أمة

 

احتفلت الأمة الإسلامية بمولد سيد خير البرية، فكان ميلاده صلى الله عليه وسلم ميلاد رسالة وأمة وحضارة غيرت وجه التاريخ وبدلت الأرض، فعم في أرجائها الإيمان، وانتشر السلام، وأشرق النور على البَر والبحر والإنسان والحيوان والنبات والجمادات. لقد بشر عيسى عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: ” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ” الصف: 6. ومن قبله دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يبعث في ذريته رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة والأحكام فقال: ” رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” البقرة: 129. لقد كان العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم يعيشون في جاهلية جهلاء، وغطرسة ظالِمة، وبُغضٍ للعدل، وإقبالٍ على الشر، وإدمانٍ للخمر، يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار، ويستقسمون بالأزلام.. كانوا يأكلون الربا والميتة ويستحلون الفروج بالزنا ويئدون البنات.. كانوا يعيشون على السلب والنهب والغارات والثارات، القوي يسطو على الضعيف ويستضعفه، والغني يستذل الفقير ويستعبده.. كانت دياناتهم متفرقة، وعقائدهم باطلة.

فبعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من هذه الظلمات إلى النور، قال سبحانه: ” كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ” إبراهيم: 1. وفي مدة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين، استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحقق أعظم إنجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات، وأن يُحدث انقلابا جذريا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة، وهذا ما عبّر عنه وبيّنه جعفر بن طالب لملك الحبشة فقال: “كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”. لقد جاء بالتوحيد والعفاف والصلة والإحسان إلى الخلق بعد أن كان الناس يعيشون ضلالا في التصور، وضلالا في العقيدة، وضلالا في السلوك والأخلاق، فدعاهم صلوات ربي وسلامه عليه بالحكمة والموعظة الحسنة متمثلا قول الحق: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” النحل: 125.

في هذه الأيام تبتهج القلوب وهي تتذكر مولد خير الأنام، نبينا محمد عليه أفضلُ صلاة وأزكى سلام، الذي منَّ الله تعالى به على المؤمنين، قال ربنا: ” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” آل عمران: 164. والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أهل لأن يعظم في سائر أيام السنة، وأن تُذكر سيرته العطرة في كل لحظة، لأنه المبلغُ لرسالة رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، قال ربنا: ” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” الجمعة: 2. إن واجب المسلمين اليوم، أن يَعرفوا رسولهم وأن يُعرِّفوا به.

واجب المسلمين اليوم أن يجددوا تأملهم في شخصية وحياة رسولهم صلى الله عليه وسلم، ويدرسوا سيرته ويتدبروها ويُربوا عليها أولادهم. سلف هذه الأمة رجالها ونساؤها وأطفالها، جعلوا الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم أسوتهم ليس في يوم واحد فحسب، بل في حياتهم كلها، فنصرهم الله على أنفسهم وأهوائهم، وانتصروا بعد ذلك على أعدائهم وحققوا السلم والسلام في كل بقعة من الأرض وَطَأتها أقدامهم.