موسيقى من غزة… غناء تحت النار

موسيقى من غزة… غناء تحت النار

 

تنبت أرض فلسطين بالغناء والموسيقى كما تنبت بالزعتر والزيتون. وغناؤها، يمثل جانباً مهماً من تاريخها وذاكرة شعبها، وتمييز هويتها العريقة القديمة، فكثير من أغنياتها الشعبية الفلكلورية أقدم من نشأة الكيان الغاصب. لكنها – ورغم توالي المحن – لم تتوقف لحظة عن استزراع الفن، واستنبات الموسيقى.

من واصف جوهرية إلى رَوحي الخماش، ومن يحيى اللبابيدي إلى سيمون شاهين. كما كان المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد عازفاً ومنظّراً موسيقيّاً من طراز رفيع. عرفه العالم بكتابه الأشهر “الاستشراق”، الذي طغى على كتب ثلاثة لم تنل نفس الشهرة: “متتاليات موسيقية”، و”المتشابهات والمتناقضات.. استكشافات في الموسيقى والمجتمع”، و”الأسلوب الأخير.. الموسيقى والأدب ضد التيار”.

وفي هذه الأيام، قد تبدو غزة أرضاً للنار والدمار، للحرب والسلاح والاشتباك. هكذا تتجلّى لمن ينحبس في اللحظة الآنية، أو يترك وعاء ذاكرته لتملأه نشرات الأخبار بمشاهد الدماء والأشلاء لكن الغناء ينبت في غزة كما تنبت الزهور العطرية، التي كانت تُصدّر إلى أوروبا لصناعة أفخر العطور. تحصد غزة الغناء الجميل، من الراحل نايف أبو عياش إلى محمد عساف، ومن “ستي إلها توب وشال” إلى “طلت عند هبوب الريح”.

يزدحم المشهد الغنائي الغزّي المعاصر بعشرات المطربين والملحنين والعازفين، وبكثير من الفرق الغنائية التي قدمت فنها في الداخل والخارج. يشغل الغناء للقضية الفلسطينية جانباً كبيراً مما تقدمه هذه الفرق، لكنها لا تقتصر على هذا النوع من “الغناء المقاوم”. يغنّي الغزيون للحب والجمال، وللأمهات والجدات، وللأفراح والأعياد.

ولعل فرقة “صول” تمثل نموذجاً واضحاً للاتجاهات الغنائية الغزية التي تجمع بين الأنماط الحداثية، وبين إحياء التراث الفلسطيني، وأيضاً الغناء بكثافة لنصرة القضية الفلسطينية. واشتهرت الفرقة بأسلوب متميز في إنتاج الفيديو كليب بأبسط الإمكانات. ومثلاً، أعادت الفرقة غناء عملين شهيرين للمطرب والملحن المصري الشيخ إمام عيسى، هما: “أناديكم”، و”يا فلسطينية”، لكنها اختارت أن تصوّر الأغنيتين بين الأبنية التي هدمها القصف الإسرائيلي على بيوت القطاع، ما أعطى الكلمات وقعاً مؤثراً على المشاهد.

تأسست فرقة “صول” عام 2012، وضمت أربعة شبان وفتاة، وواجهت كثيراً من العقبات المتمثلة في ضعف الإمكانات، وندرة الرعاة، بل وحتى شح الآلات الموسيقية أو ارتفاع ثمنها لكن بكثير من المثابرة، بدأت الفرقة تقف على قدميها، وعام 2016، افتتحت معهداً موسيقياً باسم “سيد درويش” لتدريب الهواة ورعاية المواهب، لا سيما من الأطفال.

اتسعت شهرة الفرقة في القطاع، ومنه إلى المهرجانات الموسيقية الدولية، فشاركت في مهرجان “جرش” في الأردن، ومهرجان “أرابيسك” الدولي في مدينة مونبلييه الفرنسية، كما قدمت عروضاً في بروكسل وبرلين. أعادت الفرقة توزيع عشرات الأغنيات الفلسطينية، وقدمتها عبر برنامج “وصلة” الذي تم تصويره في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ويعتبر أعضاؤها أن ما تقدمه “صول” يظهر للعالم الوجه الحقيقي لغزة، وللنضال الفلسطيني.

وخلال السنوات القليلة الماضية، اشتهرت في قطاع غزة فرقة “وتر” بنمط أكثر حداثة، وأقرب إلى الأشكال الغنائية الرائجة بين الشباب. أصدرت الفرقة ألبومها الأول بعنوان “غريب هنا” عام 2015، ثم تلاه الألبوم الثاني عام 2019 بعنوان “30 ألف شغلة”، وكلا الألبومين من إنتاج مركز غزة للثقافة والفنون. وتعتبر “وتر” أول فرقة أندرغراوند تنشأ في غزة، وتتسم موسيقاها بالمزج بين أشكال متنوعة للبوب والروك. كما شاركت الفرقة عام 2020 في فعاليات عيد الموسيقى، الذي نظمته القنصلية الفرنسية العامة والمركز الثقافي الفرنسي في غزة.

ق\ث