موسيقى الحوزي.. فن أصيل يقاوم الاندثار

موسيقى الحوزي.. فن أصيل يقاوم الاندثار

لا يختلف اثنان أن الجزائر تعد من البلدان التي تتميز بثراء وتنوع فضاءاتها الثقافية والفنية المنتشرة في ربوعها الشاسعة، ومن أبرز تلك الفنون نجد “فن الحوزي”، الذي ظهر في مدينة تلمسان خلال القرن الخامس عشر، قبل أن يعرف انتشاراً واسعاً خلال القرون التي تلت ذلك، وخصوصاً بعد تأسيس مدارس خاصة بهذا الفن الأصيل وباتت تقام له مهرجانات تخطت المحلية لتصبح تظاهرات دولية.

في القرن الخامس عشر، وفي الوقت الذي كانت فيه مدينة تلمسان تمثّل إحدى أهم الحواضر الثقافية والفنية بالجزائر والمغرب العربي، بحكم كونها عاصمة للدولة الزيانية، ظهر الحوزي بصفته أحد روافد الموسيقى المحلية.

ويرجع المؤرخون تسميته بالحوزي نسبة إلى أحواز مدينة تلمسان، أي أطراف المدينة التي كان يسكنها البسطاء، أي أنّ الحوزي كان أصله من عامة الناس، على عكس المالوف، الذي كان حكراً على الأثرياء وبلاط الحكام.

ويعود الفضل في اكتشاف هذا النوع من الموسيقى إلى الشاعر الزياني سعيد بن عبد الله المنداسي، الذي كان متأثراً بموسيقى المالوف، فاشتقّ منها موسيقى الحوزي.

كما أتى من بعده الشاعر محمد بن عبد الله بن مسايب خلال القرن الـ17، ثم بن سهلة خلال القرن الـ18، هذا الأخير الذي كتب نص أغنية “يا ضو لعياني”، ليسهموا في انتشار هذا الطابع الغنائي في كلّ الجزائر ودول الجوار تونس والمغرب.

ومنذ ظهوره، يعدّ الحوزي أحد أنماط الموسيقى الأندلسية بحكم أنه قريبٌ من فنِّ “المالوف”، إلّا أنه يختلف عنه، خصوصاً لجهة اعتماده على مقطوعات شعرية منظومة بالعامية، وقصر المسافات الصوتية لمغنّيه، وقلّة اللجوء إلى النغمات المتعدّدة.

كما أنّ المالوف كان موجهاً إلى الطبقة الأرستقراطية وبلاط الملوك والحكام، على عكس الحوزي الذي مزج بين بلاط الأمراء وأسواق العام الجزائريين، وذلك بحسب مقالٍ أكاديمي بعنوان: “فن الحوزي في تلمسان الحاج محمد الغفور أنموذجاً”.

حالياً توجد 3 مدارس رئيسية وكبرى لفن الحوزي، هي مدرسة الغرناطية بتلمسان، وتكاد تكون هذه المدرسة المؤسِّس والأقدم لهذا النوع من الموسيقى، إضافةً إلى مدرسة الصنعة بالجزائر العاصمة، وهي المدرسة التي ساهمت في انتشار الحوزي بشكل كبيرٍ بين الجزائريين، وأخيراً مدرسة المالوف بقسنطينة، والتي جمعت الحوزي بتوأمه المالوف الأندلسي.

ويعتمد الحوزي في موسيقاه على آلات الكمان والطار والقانون والرباب والكويترا، ويعتمد على 12 لحناً تظهر في شكل الأغاني التي ألفها كلّ من الشعراء المشهورين: ابن مسايب وابن سهلة وابن تركي.

وفي الوقت الذي بدأت فيه الموسيقى العصرية والصاخبة في اكتساح المشهد بالجزائر والعالم، عرف فن الحوزي تراجعاً رهيباً، ينذر بقرب اندثاره، فلم يعد الحوزي يحوز الاهتمام الذي كان يحظى به في السابق، كما قلّ مريدوه وعزافه بشكلٍ لافت، ناهيك عن انطفاء شموع هذا الفن بوفاة أبرز فناني الحوزي بالجزائر.

مع ذلك، لا يزال عشاق هذا النوع من الموسيقى يقاومون من أجل البقاء، إذ تحرص وزارة الثقافة على استمرار الحوزي، من خلال تنظيم المهرجان الوطني لموسيقى الحوزي كلّ سنة، وهو المهرجان الذي يجمع فناني الحوزي من كل ربوع الجزائر، إضافةً إلى سعي الجزائر لتسجيل هذا النوع من الموسيقى كتراثٍ مادي لدى اليونيسكو، والذي من شأنه أن يحفظ هذا النوع من الموسيقى من الاندثار.

ب\ص