إنَّ البَرَكةَ نِعمَةٌ مِنَ نِعَمِ الوهَّابِ، والكَيِّسُ الفَطِنُ هو الذي يَلْتَمِسُهَا مِنَ الموْلَى الكَرِيمِ، ويَسْتَجْلِبُهَا مِن الملكِ الوهابِ، وهَنا نذكُرُ بعضًا مِن أَسبابِ تَحصِيلِهَا، وإنَّ المسلمَ – وخاصةً في هذه الأزمانِ – لفِي مَسِيسِ الحَاجَةِ إلى نَيْلِ البَرَكَاتِ؛ لِيَصِلَ إلى ما يُريدُ مِن خَيْرَيِ الدنيا والآخرةِ. فأَوَّلُ الأَسبابِ هُوَ التَّوكُّلُ على اللهِ تعالى حقَّ التَّوكلِ، فَنعلَمَ عِلمَ اليَقِينِ أنَّه لا رَازِقَ ولا مُعطِي ولا مَانِعَ إلاَّ اللهُ تعَالى، قال سبحانه: ” أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ” الملك: 21″. وما الأَبُ ولا الوَظِيفةُ ولا السُّوقُ ولا المزرَعَةُ ولا الدَّولةُ إلاَّ مَصادِرُ للدَّخْلِ.. قَد هَيَّأهَا اللهُ تعَالى ويَسَّرَهَا فَضَلاً مِنهُ ونِعمَةً.. ورِزقاً للعبادِ ورَحمَةً. وممَّا تُستجْلَبُ بهِ البركةُ تقوَى اللهِ وطاعَتُه والالتزامُ بالأوامرِ والنواهي يقولُ اللهُ سبحانَه وتعَالى ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ” الأعراف: 96″. فليسَ هناكَ أعظمُ بركةً مِن أنْ يُؤدِّيَ العبدُ حَقَّ اللهِ تعالى عليهِ، ومِن وصَايا لُقْمَانُ لابنِهِ: “يا بُنيَّ اتَّخِذْ تَقوَى اللهِ تِجارةً، يَأْتِكَ الرِّبحُ مِن غيرِ بِضَاعةٍ”.
ومِن أسبابِ الرزقِ العظيمةِ: التفرغُ لعبادةِ اللهِ جَل جلالهُ، وليسَ معنَى التفرُّغُ لعبادةِ اللهِ تعالى أنْ نَترُكَ أعمَالَنا وأشغَالَنا ووظَائِفنَا وتجارَاتِنَا ثُمَّ نَرحَلُ إلى المساجدِ عَاكفينِ! نَنتظِرُ عطاءَ اللهِ! هذا لا يَقولُهُ عَاقلٌ؛ لأنَّ الحياةَ سَوفَ تتعطَّلُ، واللهُ تعالى لَن يَرزقَ أحَدًا إلا بِسعيٍ وَجِدِّ وعَمَلِ، وإنَّما المقصودُ ألاَّ يَنسَى المؤمنُ الدارَ الآخرةَ وعِبادةَ اللهِ عزَّ وجلَّ ويَنشغِلَ بالدنيا انشغالاً كُليًا بِحيثُ تُصبحُ الدنيا أكبرَ هَمِّهِ ومبلغَ عِلمِهِ ومَصدَرَ سَعيِهِ! قالَ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللهَ تعَالى يقولُ: “يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي، أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ” رواه الترمذيُّ وصححه الألبانيُّ. كذلك صِلةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمُرِ وتُبارِكُ في الرِّزْقِ: فقد روَى البخاريُّ ومسلمٌ من حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صِلَةُ الْقَرَابَةِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ” رواهُ الطبرانيُّ وصححه الألبانيُّ. ومِنَ الأسبابِ التَّبكيرُ في طَلبِ الرِّزقِ، فعن صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا” وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، قال الرَّاوِي: وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. قالَ ابنُ حَجرٍ “وإنَّمَا خُصَّ البُكورُ بالبركةِ لكونِهِ وَقتُ النَّشاطِ والقوَّةِ”. ومِن أَعظَمِ الأمورِ التي تَجلِبُ البركةَ: الدُّعاءُ والالتجاءُ إلى اللهِ جلَّ وعلا، فاجْعلْ لِنفْسِكَ نصيبًا مِن الدعاءِ بالبركةِ في سائرِ حياتِكَ، وإنْ ضَاقَ عَليكَ رِزقُكَ وعَظُمَ عَليكَ هَمُّكَ وغَمُّكَ وَكَثُرَ عليكَ دَيْنُكَ فَاقْرَعْ بابَ اللهِ الذي لا يَخيبُ قَارِعُهُ، قالَ تعَالى ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ” النمل: 62″.
من موقع شبكة الألوكة