أحدثت مواقع التواصل الاجتماعي نوعا من الفوضى في العلاقات الاجتماعية، كما تسببت في انتشار الخيانة الزوجية والطلاق وفك الروابط الزوجية، خاصة وأن هذه المواقع ساهمت بشكل كبير في توسيع مجال التعارف وربط العلاقات بين الأشخاص في الواقع والأصدقاء في عالمهم الافتراضي، حتى وصف البعض هذه التكنولوجيات بأنها أداة للخيانة الزوجية، وبالمقابل هناك من يجد هذا الأمر مبالغا فيه مع اعترافهم بواقعية الطرح.
وإذ تختلف أسباب الطلاق وتتعدد في مجتمعنا الذي ظل يوصف بالمحافظ إلى وقت ليس ببعيد، ويرجع عدد من المحامين الذين تبادلنا الحديث معهم حول الموضوع أسباب الطلاق إلى عوامل متعددة، فبعضها ناتج عن غياب الراحة النفسية بين الأزواج وأخرى تعود إلى تفاقم المشاكل والعجز عن حلها، وأسباب أخرى كانت وراء تفكك الأسرة الجزائرية لفترة طويلة، لتُضاف إليها مؤخرا تكنولوجيات العصر وما أورثته من مضار ومساوئ على الأسرة الجزائرية تسببت في تفككها، خاصة وأنها سهلت الخيانة وبسطتها وجعلت مما كان صعبا ومستحيلا داخلا في الإمكان بأبسط الوسائل، حتى أصبحت الزوجة تشك في زوجها وهو بالمقابل يشك في دخول زوجته في علاقة مشبوهة، خاصة بعدما بات الجميع قادرا على فتح حساب على “الفايسبوك”، وهي نار الشك التي أشعلتها المواقع الاجتماعية بين الأزواج، وهذا ما يحدث حسب الخبراء إذا ما توفرت أسباب أخرى كالبحث عن الكمال العاطفي خارج المحيط الأسري، لكسر “الملل” الذي دخل حياة البعض أو الاهتمام لمن يفتقده.
ولا ينكر أهل الاختصاص تهديدات “الفايسبوك” على الأسرة الجزائرية الذي بات خطرا محدقا باستقرار الأسرة إذا أسيئ استعماله طبعا، حيث كشف مختص في القانون على أن واحدة من بين ثلاث حالات طلاق تعود إلى اكتشاف “الخيانة الزوجية”، خاصة بعدما باتت مذكرات الطلاق التي يتقدم بها الأزواج بسبب اكتشاف الخيانة الزوجية عن طريق هذا الموقع مألوفة في المحاكم الجزائرية، ولم تعد بالأمر الغريب خاصة وأنها زادت من نسبة حالات الخيانة الزوجية.
“الفايسبوك” موضة الخيانة الزوجية
لم يخف محدثنا أنه من بين كل ثلاث حالات طلاق توجد واحدة تعود إلى اكتشاف “الخيانة الزوجية” أو وجود طرف ثالث يشاطر أحد الشريكين الحياة أو حتى الأحاديث، كوجود علاقة مع طرف آخر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “الفايسبوك”، ولم يعد هذا داخلا في حالات معزولة بل تعداه إلى الظاهرة، حسب ذات المتحدث، حيث تم تسجيل العديد من القضايا على مستوى المحاكم تراوحت بين الطلاق والخلع، حسب الطرف الذي يكتشف خيانة شريكه، وفي بعض الحالات يقوم مختصون بكشف الحيثيات من الموقع ذاته.
أسماء مستعارة لكشف الخيانة
ويستغل البعض إمكانية فتح حساب فايسبوك باسم مستعار للتأكد من مدى وفاء الشريك وعدم دخوله في علاقات مشبوهة، وهو حال زوج حاول التأكد من الشك الذي ساوره بخصوص خيانة زوجته له، فقام بفتح حساب جديد له باسم مستعار، ومعلومات غير صحيحة. وأضاف زوجته على قائمة الأصدقاء، فحاول التقرب منها دون الكشف عن هويته لمعرفة مدى صواب شكوكه، والصدمة كانت عنيفة عليه بعدما وقعت الزوجة بعد فترة وجيزة في فخه، وتأكد من خلاله أنها قادرة على الخيانة، وأصبحت تبادله الحديث وحتى الغرام دون معرفة أنه زوجها، وفي بعض الحالات يقول المتحدث هناك بعض السذج الذين يجعلون من تعليق الشريك على الصور التي نشرتها إحداهن أو إضافته لصديقة بمثابة خيانة تستدعي الطلاق، كما يوجد نوع آخر من المشاكل يخلقها هذا الموقع، ركز عليها المتحدث، إذ يولي البعض أهمية كبرى لهذه المواقع، مما يجعله ينشغل بصفحته الخاصة أكثر من شريك حياته، ويقضي ساعات في التواصل عبرها، بالتالي يؤثر على نوعية الحياة مع الشريك وباقي أفراد الأسرة، ومع الوقت يتحول التواصل الاجتماعي إلى إدمان يهدد الكثير من البيوت بالدمار، خاصة بعدما يدخل أحد الأطراف في أحاديث مشبوهة، وفور اكتشافها، يصفها الطرف الآخر بالخيانة الزوجية الصريحة، وهو ما يدخل في مسببات الطلاق الحديثة والتي أحدثها الاستعمال والفهم الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي.
النفسانيون: العلاقات الافتراضية تُحطم القلوب وتُهدم البيوت
أكدت النفسانية والمعالجة السلوكية وردة بن رحلة، بأنها تمنت كثيرا أن تتاح لها الفرصة لكسر طابو الخيانة الزوجية بمجتمعنا، والتي اتخذت شكلا إلكترونيا في عالم افتراضي، ولا تملك، كما أكدت، إلا أن تدق ناقوس الخطر أمام الارتفاع الملحوظ لأعداد من يمارسون هذا النوع من الإدمان الذي يشبه، حسبها، الإدمان على المخدرات سواء في البيوت أو أماكن العمل، مؤكدة بأن هذين النوعين من الإدمان لهما نفس الأعراض من الشعور بالذنب والتبعية إلى عدم القدرة على كبح النفس والتوقف عن الممارسة والركض أمام نشوة وهمية مدمرة.
ومن جهته، يرى النفساني رابح لوصيف بأن اللجوء إلى الخيانة الافتراضية التي تعتمد أساسا على الخيال والوهم أكثر من الواقع، عملية تعويضية لما يعانيه الزوج أو الزوجة من فراغ أو نقص في جانب معين من علاقته بالطرف الآخر، خاصة في ما يتعلق بالحنان والاهتمام وكذا النقص في العلاقات الحميمية، مشيرا إلى أنها تبدأ بدافع الفضول والرغبة في الهروب من الواقع، ثم يتعود عليها الشخص إلى أن يدمنها. وقد تعكس، حسبه، في حالات كثيرة إصابة هذا المدمن، بمشاكل جنسية، مثل العجز الجنسي أو سرعة القذف، وبدل العلاج الطبي يبحث عن الإثارة الإلكترونية.
وينصح النفساني الزوجة التي تضبط زوجها يمارس هذا النوع من الخيانة، بأن تفكر بشكل إيجابي ولا تحطم أسرتها وبيتها لأن الصور وما تمثله من علاقات عابرة لا يمكن أن تعوض الواقع مهما كانت. ومن هنا تسعى إلى تدارك الانفصال العاطفي الذي حصل، ربما لانشغالها بأبنائها وعملها وغياب الحوار و”اللمة” والالتحام الأسري، واقتحام التكنولوجيا، ويمكن أن تسترجع زوجها بالحب وتسانده إذا كان بحاجة إلى علاج، ونفس الشيء إذا كانت المدمنة هي الزوجة.
وترى النفسانية وهيبة. ح بأن غياب الثقافة الجنسية الصحيحة وعدم تلقين التربية الجنسية في المقررات التعليمية في الصغر، من أهم العوامل المؤدية إلى الإدمان على الخيانة الافتراضية والسعي للعلاقات المحظورة الأخرى وانتشار مختلف الأمراض المتنقلة عن طريق الجنس بمجتمعنا وارتفاع حالات الطلاق، متأسفة لأن العديد من الأزواج يتخذون من الرباط المقدس، واجهة لإخفاء الانحرافات والشذوذ والأمراض في حين هم بحاجة ماسة إلى تكفل نفسي.
المحامية فتيحة بغدادي ترعي: “القانون الجزائري لا يجرم مقترفي الخيانة الزوجية الإلكترونية”
أوضحت مندوبة الشرق في اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان ورئيسة جمعية نور لحماية وترقية الأسرة، المحامية فتيحة بغدادي ترعي، بأنها حاولت معالجة قضيتين تصنفان في خانة الخيانة الافتراضية التي اعتبرتها ظاهرة مسكوت عنها بمجتمعنا، رغم انتشارها الخطير، مضيفة بأن الزوجتين اللائي لجأتا إليها عجزتا عن إثبات الضرر الذي لحق بهما من زوجيهما، وتقديم الأدلة اللازمة للمطالبة بالتطليق، فالقانون الجزائري، كما أكدت، لم يخصص مادة حول هذا النوع من الخيانة العصرية الناجمة عن الاستغلال الضار واللاأخلاقي للتكنولوجيا. كما أن الأئمة ورجال الدين لم يبادروا إلى تحريم هذا النوع من العلاقات التي تجعل الزوج يتخذ عالمه الخاص و يهمل زوجته وأبناءه، ما يؤدي في الغالب إلى أبغض الحلال، مشيرة إلى صعوبة إثبات جريمة الزنا والخيانة الزوجية الواقعية وما بالك بالافتراضية، مشددة بأن هناك ثغرة قانونية كبيرة في قانون العقوبات الجزائري، فيما يتعلق بإثبات الخيانة الزوجية عموما، فمن الصعب جدا أن يضبط رجال الأمن الزوج أو الزوجة في حالة تلبس، أو يتم إحضار شهود عيان ليتم تسليط عقوبة الحبس لمدة سنة أو سنتين على الخائن أو الخائنة، استنادا للمادة 339 من قانون العقوبات، لهذا تتحول معظم هذه القضايا إلى قضايا طلاق.
لمياء بن دعاس