قال الله تعالى: ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” فصلت: 33، فهذه الآية الكريمة تبين أنه ينبغي للداعي إلى الله تعالى أن يكون ذا عمل صالح ليكون داعية إلى الله بأفعاله كما دعا إليه بأقواله، فيجتمع له القول والعمل، ولا أحسن قولًا من هذا الصنف من الناس المبارك على نفسه وعلى الناس من حوله، الذي يدعو إلى الله تعالى بالأقوال الطيبة والأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، والدفع بالتي هي أحسن والبعد عما يضاد ذلك وينقصه، وهكذا كان رسل الله عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال والسير الحسنة، فإنهم أئمة الناس في تحقيق ما يدعونهم إليه، وترك ما ينهونهم عنه. وهكذا أتباعهم في الدعوة إلى الله على بصيرة في كل زمان ومكان يتبعون القول بالعمل الصالح، فلا بد للداعية من أن يعمل بعلمه، ويمتثل ما يدعو الناس إليه في سيرته وحياته، فلا يأتي من الأقوال والأعمال والأحوال الظاهرة والباطنة ما يخالف ما علمه واستيقن صوابه ودعى إليه، فإن العمل هو الثمرة الصحيحة للعلم، وهو من أسباب ثباته وحفظه وعدم نسيانه.
ومن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة العالم الذي لا يعمل بعلمه، وقد ثبت في الصحيحين عن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: إي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه”. رواه البخاري. ولهذا عاب الله تعالى على الضُّلاَّل من بني إسرائيل وذمَّهُم، فقال: ” أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ” البقرة: 44، فعد سبحانه ترك العمل بالحق مع العلم به من نقص العقل، وحذَّر هذه الأمة وتوعدها أشد الوعيد على تناقض الأعمال والأقوال، فقال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ” الصف: 2، 3.