فاز الفيلم الروائي المطول الجزائري “أبو ليلى” لمخرجه أمين سيدي بومدين مؤخرا بجائزة “جيرار فرو كوتاز” لمهرجان لقاءات بلفور السينمائي الفرنسي.
وحاز فيلم “أبو ليلى” على هذا التتويج لكونه أفضل أول فيلم روائي خرج في قاعات السينما لسنة 2020.
ويتناول الفيلم- وهو إنتاج مشترك جزائري- فرنسي- قطري- لمدة 140 دقيقة الأحداث المأساوية خلال فترة العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر من خلال قصة الشابين سمير الذي يؤدي دوره سليمان بنواري ولطفي من تأدية إلياس سالم اللذان يطاردان إرهابيا خطيرا يدعى “أبو ليلى” في الصحراء الجزائرية.
وجاء الفيلم مُحمّلا بالعنف والعنف المضاد الذي عكسته وصنعته قصة وشخصيات العمل، خاصة سمير (الممثل سليمان بنّواري) الذي استطاع أن يؤدي دور الفرد المأزوم الذي أثّرت على حياته أحداث الماضي البعيد، من خلال القسوة التي استقاها من والده وأثّرت على حياته بشكل كبير، وزادت عليه تفاصيل الماضي القريب بعد أن عاش تجربة مواجهة مُسلّحة مباشرة مع شخص مُسلّح في زمن الإرهاب، شهد من خلالها على قتل زميله الشرطي، لينتهي به المطاف في الحاضر الذي يستذكر به المرحلتين السابقتين المذكورتين.
وفي الوقت نفسه كانت مرحلة الحاضر حاسمة وقاسية جدا، لأنه أراد من خلالها أن يصلح العطب الذي أصاب ذاكرته، وأن يُزيح الألم بعد أن يواجه عدوّه المادي الذي يعكسه الإرهابي “أبو ليلى”، وعدوّه المعنوي الذي تعكسه بعض الهلاوس التي ساهمت في صناعتها الأحداث الدامية التي أفرزتها صراعات المجتمع حول السلطة والتمكن، والتربية القاسية التي تلقّاها من والده وكانت سببا في زرع أولى بذرات العنف ومظاهره.
شخصية لطفي (الممثل إلياس سالم) فهي الشخصية التي تقتسم دور البطولة مع سمير، لكنه في المقابل كان الرافد لها ومولّد الأحداث، وهو من يؤدي دور الشخصية الصلبة على خلاف الهشاشة التي تمثلها شخصية سمير، وهي المعادلة الشخصانية التي تنسج التكامل بينهما، وفي الوقت نفسه ولّدت التوتر والصراع وتوالي الأحداث وتطورها مع التقدم الزمني في الفيلم.
شخصية سمير في الفيلم لم يكن فقط ذلك الشرطي الذي وقف على العنف وعايشه وأراد الانتقام، بل هو القيمة المجتمعية الناتجة عن الفعل والفعل المضاد، وهو المرض الذي يصيب المجتمع بشكل عام، لأن الأمراض النفسية التي أصابته بسبب المعطيات المذكورة؛ جعلته يعيش في رواق بين الواقع والخيال، وبين الأحلام والكوابيس، وبين العنف الذي يسكنه وبين العنف الذي يسكن الآخر.
هذا الأمر يُظهر أيضا مرجعية كاتب السيناريو والمخرج في مجال علم النفس، وخاصة المدرسة الفرويدية (نسبة إلى سيغموند فرويد) التي شخّص بها عِلّة البطل، ووقف على المُسببات والدوافع المُكوّنة لها، لهذا مزج هذه المعارف في الفيلم الذي جاء محمّلا بالخيارات الجمالية والفلسفية وتشظيات النفسية البشرية، وقد جمع هذه التراكيب تيار “سينما الطريق”، وهو نوع سينمائي يُشير إلى الأفلام التي تجري أحداثها على قارعة الطريق.
وشارك فيلم “أبو ليلى” الذي يعتبر أول فيلم مطول للمخرج أمين سيدي بومدين بعد الفيلمين القصيرين “الجزائر غدا؟” و”الجزيرة” في فعاليات الطبعة 72 لمهرجان كان السينمائي في ماي 2019 في مسابقة “أسبوع النقد”.
كما عرض أيضا خلال مهرجانات البوسنة والهرسك وتونس وبلجيكا وإيطاليا وكذا مصر.
ونال الممثل والمخرج الجزائر إلياس سالم، جائزة أحسن ممثل عن دوره في هذا الفيلم خلال الطبعة الـ 30 لأيام قرطاج السينمائية سنة 2019.
ب/ص