بني عزيز… اسم لمنطقة ارتبط اسمها بالتاريخ العربي والإسلامي، إذ يرتبط اسم المدينة بالفاطميين الذين أسسوا دولتهم هناك، وتعد منطقة “إيقجان” الأثرية مقر قيادة الدولة الفاطمية ومركز إشعاعها الذي وصل مداه إلى أقاصي المعمورة، ولا يزال ما قدمه أجدادنا الأولون يشهد له التاريخ وتتوزع آثاره على تراب بلدنا.
إن تأسيس الفاطميين لمدينة بني عزيز حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، وهو ما يؤصل ويثبت انتماء سكان بني عزيز العريق في التاريخ الإسلامي ويجعله حقيقة ثابتة تتمثل في اندماج العناصر الوافدة إلى الجزائر وما أدى إلى تفاعلات السكان الأصليين (كتامة الأمازيغية) والعرب الوافدين إبان الفتح الإسلامي.
موقع “إيقجان” الأثري… مقر الدولة والشاهد على إنجازاتها
يعتبر موقع “إيقجان” ببلدية بني عزيز من ضمن وأبرز مصنفات التراث العالمي التي تعدت شهرتها حدود الوطن والفضاء المغاربي بسبب الدور الأساسي الذي لعبه الموقع خلال العهد الإسلامي إبان قيام الدولة الفاطمية وإرساء أول خلافة لدولة شيعية إسلامية في المغرب العربي انتقلت بعدها إلى المشرق العربي..
تجمع سكاني هادئ في تناغم ممتع
تعد منطقة بني عزيز تجمعا سكانيا جميلا وهادئا يسود فيه انسجام ممتع يدفع إلى التفكير بأن العزلة ليس لها فقط جوانب سلبية بل فيها الدعوة إلى التأمل في ملكوت الله
وبديع خلقه، ويقول سكان المنطقة إن مستقبل السياحة سيكون زاهرا ومشعا في المنطقة عبر التنمية والتكفل بالتراث التاريخي والطبيعي الذي تزخر به.
مغتربو بني عزيز… رِجل في الغربة وأخرى في رحم الوطن
يُعرف عن سكان هذه المنطقة الجبلية بامتياز احتفاظهم بتقاليد قديمة للهجرة التي دفعت الكثيرين خلال أزمنة غابرة إلى الرحيل نحو بلدان بعيدة من الجهة الأخرى للبحر، ولا يزال أغلب هؤلاء المغتربين يحافظون على أواصر صلبة مع المنطقة التي شهدت ولادتهم، وتشهد مدينة بني عزيز الجبلية المتفتحة والمضيافة على عودة العديد من أبنائها كل صائفة، الذين قاموا ببناء العديد من المساكن تضمن لهم طيب الإقامة ورغد العيش خلال فترة إقامتهم.
“وادي بورديم”.. مياه صافية تسحر القلوب
ترتكز حياة سكان بني عزيز على منتوج الفلاحة الجبلية بالدرجة الأولى، والتي يمارسونها في وسط محيط طبيعي ذي جمال آخاذ تستمده من بيئة المنطقة العذراء
والخالية من كل تلوث وحيث “وادي بورديم” يمتاز بمياهه الصافية في وقت تفتك فيه شبكات مياه الصرف الفوضوية مساحات فلاحية واعدة في أماكن أخرى.
بني عزيز.. بين إشكالية النهوض بالسياحة والحفاظ على التقاليد
بالنسبة لنبلاء بني عزيز، فإن مدينتهم على الرغم من تواضع حالها وتوفرها منذ أزمنة بعيدة على متعلمين ميزوا كل الأجيال المتعاقبة، فإن المعضلة المطروحة تكمن في كيفية ترقية السياحة بغية ضمان المستقبل دونما إهدار للتقاليد المتوارثة عن رصانة وتحفظ أهلها، وبالفعل فإن الغابة المحاذية لـ “ولبان” الواقعة في الطريق المؤدي إلى ولاية جيجل التي هي جنة غناء آمنة يقود إليها طريق جيد التعبيد تستقبل كل نهاية أسبوع العديد من الزوار الذين يستمتعون بمناظر خلابة وبهواء نقي وراحة بال يفتقدونها في المناطق الحضرية الصاخبة، كما تم استغلال هذه الغابة من طرف شباب المنطقة الذين حولوها إلى مركز عائلي يقدمون فيه أطيب وجبة “شواء” و “حميس” يقال إنه الأطيب على المستوى الوطني، وهي فضاء عائلي شبيه بغابة “بوشاوي” بالعاصمة.
ويبدي سكان بني عزيز رغبة حقيقية في رؤية تطور السياحة المحلية التي يمكن أن يؤدي انتعاشها وتنميتها إلى إعادة إحياء تجارة مخلصة بالنسبة لمنطقة يظل همها الأساسي الأول هو خلق الشغل بعين المكان، فمنذ مدة طويلة اضطر الكثير من كبار بني عزيز إلى الهجرة إلى أماكن أخرى، وهو ما منعهم من رؤية أبنائهم يكبرون.
مهد الفاطميين الذين أسسوا القاهرة
من جهة أخرى، تحتضن دائرة بني عزيز منطقة ذات الرصيد التاريخي والتي توجد على بعد أقل من 7 كلم من مدينتها، الموقع الأثري لـ “إيقجان” الذي يضم العديد من الطبقات التي تشهد على حقب مختلفة عرفت مرور حضارات هامة نوميدية ورومانية وإسلامية وغيرها، وفي ثنايا هذه المنطقة انطلقت إرهاصات الدولة الفاطمية مع نهاية القرن التاسع الميلادي بعدما استفادت من دعم البربر الكتاميين الذين أسسوا القاهرة وشيدوا الأزهر الشريف كإحدى أولى الجامعات في العالم.
ويشير بوجمعة لحواسة الأستاذ في مادة الإنجليزية والدليل المفضل لاكتشاف خبايا وأسرار إيقجان القديمة لولعه الشديد بالتاريخ إلى الاكتشافات الأخيرة التي انبثقت عن حفريات طارئة أو سطحية ممثلة في مواد خزفية فاطمية مفرومة بدقة مع خط عربي جميل، إلى جانب قطع برونزية وتمثال بصورة ماسينيسا من جهة وحصان من الوجه الآخر.
وتظل قلعة إيقجان معلما أساسيا في تاريخ المغرب الأوسط إلى جانب قلعة بني حماد وقلاع بني عباس “تيهرت”، “طبنة”، كما يؤكد السيد لحواسة أنه يجب تخصيص “برنامج حقيقي للتنمية السياحية والثقافية” لهذه المنطقة، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج في منظور السيد لحواسة بالدرجة الأولى إنشاء متحف بإمكانه أن يجمع في ثناياه القطع الثمينة التي ترقد حاليا بمتحف سطيف وعددا آخرا منها بمتحف سيرتا لقسنطينة، يقول نفس المغرم بتاريخ إيقجان متأسفا لعدم حصول جمعية للتاريخ والثقافة التي جرى تأسيسها سنة 2000 على الاعتماد الرسمي من قبل سلطات الولاية.
وحينما يروي السيد لحواسة حكاية إيقجان وشتى آثار ومعالم تاريخها النصع وكذا ظروف وملابسات ميلاد الخلافة الفاطمية، يقف المرء مندهشا أمام هذا العمق التاريخي الذي تحتفظ به المنطقة المبهرة ببانوراما كبرى من الجبال التي تنفتح شمالا وعلى بعد ثلاثين كيلومترا جوا على جيجل ومن الشرق على قسنطينة وميلة ومن الجنوب العلمة وجنوب غرب ولاية سطيف. وبهذه الدائرة الجبلية سببت الهجرة دائما تقلصا مستمرا للسكان الذين كانوا أكثر عددا سنة 1962 عن عددهم اليوم. ويرمي تجسيد مشروعين هامين يوجدان حاليا في طور الإنجاز حسب رئيس دائرة بني عزيز إلى إعطاء “نفس جديد” للتشغيل ما يمكن من تثبيت السكان بالجهة.
ويتعلق الأمر بتحويل مائي كبير يتطلب بناء نفق عملاق إلى جانب ورشة ازدواجية الطريق الرابط بين “سطيف وجيجل “والذي سيبرر بالتأكيد برمجة مشاريع منشآت سياحية” كما يقول نفس المسؤول، ويكتسي مشروع الطريق المدور في أذهان سكان بني عزيز أهمية بالغة لدى إنجازه، حيث سيفتح حسبهم وبدون شك آفاقا جديدة لتنمية هذه المدينة التي عانت كما يقولون مدة طويلة من “النسيان” رغم وزنها التاريخي والحضاري مع كل تقديرهم لجهود التنمية التي تمنحها اليوم طابعا جميلا، حيث لا مكان للهشاشة التي لا يلحظها الزائر مطلقا.
لمياء بن دعاس
