شجاعة الاعتذار لا يتقنها إلَّا الكِبار، ولا يحافظ عليها إلا الأخيار، ولا يغذِّيها وينمِّيها إلَّا الأبرار. فالاعتذار صِفة نابعة من قَلبٍ أبيضَ، لا يَحمل غشًّا، ولا يضمر شرًّا، ولا يتقن حقدًا. إنَّه طريق ممهد للتوبة، وسبيل ميسر للأَوبة، “كلُّ ابنِ آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون”. فمَن عرَف خطأَه واعتذر عنه، فهو كبير في نَظر الكثير، والتماس الخير وسيلة، والرُّجوعُ إلى الحقِّ فضيلة؛ لذلك ما أجمَلَ أن تكون مسارعًا إلى الخير، لا تظن بكلمة خرجَت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير مَحملًا”، حتى قال الإمام الشافعي “التمس لأخيك سبعين عذرًا”. فكم من أُسر تفكَّكَت! وكم من أواصِر تقطَّعَت! وكم من زيجات طُلِّقَت! وكم من أطفال شرِّدت! بسب عدَم القدرة على الاعتذار، بل يَنقلب الحال إلى خصومة شَديدة، وشحناء مديدة، قبل أن تؤثِّر في الآخرين تَقتل صاحبها كمدًا وعنادًا!.
كلمة صَغيرة لا يتجاوز عدَد حروفها أربعة “آسف ” ربَّما تُطفئ حربًا، وتمنع مَقتلة، رغم ذلك فإنَّ الكثيرين يَستثقلون نطقَها؛ تكبُّرًا أو أشرًا أو بطرًا؛ ظنًّا منهم أنَّ الاعتذار يقلِّل من قَدرهم، أو ينتقص مِن قيمتهم، أو ينال من مَكانتهم. إنَّ القوة كل القوة في الاعتراف بالخطأ والاعتذارِ عنه، بل إنَّ الاعتذار هو الخطوة الأولى على طَريق العودة إلى الحقِّ، حتى بين الإنسان وخالقِه، ومن شروط التوبة النَّصوح الإقرارُ بالذَّنب، ثم النَّدم عليه، والعزم على عدَم العودة لمثله أبدًا، ثمَّ الاستغفار عنه. والإقرار بالذنب أو الخطأ يتجسَّد في الاعتذار لِمن أخطأنا في حقِّه وطلبِ الصَّفح منه، بل قد يَسبقه عودة الحقوق لأهلها، وإلَّا فالتوبة معلَّقة، أمَّا مَن يأبى الاعتذارَ، فهو إنسان ضعيف، لا يستطيع أن يروِّض أهواءَ النَّفس، أو يلجم آفات الكبر، أو يحطِّم نزغات الشيطان؛ فتتمكَّن منه، وقد تنزلق به إلى العِناد في الباطل، الذي يورث الكفرَ والعياذ بالله. وفي حياتنا اليوميَّة كثير من المآسي التي وقعَت؛ لأن كثيرًا منَّا لا يملك شجاعةَ الاعتذار.