كان ابن القيم رحمه الله يقول: “فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه هو الذي يُورث المحبة والشوق، والخوفَ والرجاء، والإنابة والتوكُّل، والرضا والتفويض، والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يَزجُر عن الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علِم الناسُ ما في قراءة القرآن بالتدبر، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأ بالتفكر حتى مر بآيةٍ وهو محتاجٌ إليها في شفاء قلبه، كرَّرها ولو مائة مرة، ولو ليلة؛ فقراءة آية بتفكُّر وتفهُّمٍ، خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبُّرٍ وتفهُّمٍ، وأنفعُ للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذَوق حلاوة القرآن”.
فمن أراد الانتفاع بالقرآن وخاصة في باب الثبات على الدين فليتدبَّر الآيات، ولينظر كيف ثبَّت الله عباده المؤمنين، وكيف ثبَّت الأنبياء والصالحين، وليُمرِّر الآيات على قلبه؛ ليرى تأثيرها، وينتفع بهدايتها، فالعلاقة بين القرآن والقلب كثيرًا ما ذُكِرت في القرآن؛ تأمَّل قول الله عز وجل: ” نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ” الشعراء: 193، 194، وقال تعالى: ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” محمد: 24، وقال تعالى: ” لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ” الفرقان: 32، وكان صلى الله عليه وسلم من دعائه: “أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي”
فالله اللهَ في تدبر القرآن، اجعَل لنفسك وِردًا للتدبر، لا تُفارقه مهما كانت الأعباء؛ لتعيش بالقرآن حياة المؤمنين، ستجد الآيات الكثيرة التي تُثبتك في كل موقف من مواقف الحياة، فتَثبُت بإذن الله على طاعة الله، فتَفوز واللهِ بخيري الدنيا والآخرة، فتعيش نعيمَ الدنيا قبل نعيم الآخرة، واعلَم أن المؤمنين الخُلَّص إنما يُعرَفون بحبِّهم لكتاب الله جل وعلا؛ يقول ابن القيم رحمه الله: ” إذا أردتَ أن تعلمَ ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظُر محبةَ القرآن من قلبك”. ويقول عثمان بن عفان رضى الله عنه: ” لو طهَرتْ قلوبُنا ما شبِعنا من كلام ربنا”.