تخطت مبادرة المقاهي المخصصة لغير المدخنين بعين التوتة التي تبعد بحوالي 35 كلم عن باتنة مرحلة التجربة لتتوسع بشكل ملفت وسط إقبال كبير عليها، فمن مقهى وحيد في سنة 2009، أصبح حاليا عدد المقاهي التي يمنع فيها التدخين منعا باتا يفوق الثمانية موزعة على مختلف أحياء المدينة المعروفة برياضييها خاصة في كرة اليد.
ومن حسن حظ الزائر غير المدخن لعين التوتة التي تعد ثالث مدينة بالولاية من حيث الكثافة السكانية، أنه يجد بسهولة كبيرة مبتغاه في التمتع بارتشاف فنجان قهوة ساخن دون أن تزعجه رائحة السجائر في المقهى المخصص لأمثاله.
ومن الطريف بالمقابل أن يجد المدخنون وخاصة الغرباء عن البلدية، صعوبة في العثور على مقهى عادي يسمح فيه بالتدخين في ظل اكتساح المدينة لتقليد المقاهي المخصصة لغير المدخنين.
وأكد بعض أصحاب هذه المرافق الخدماتية ومنهم سليم بن علجية وعلي وناسي و الوردي دلاندة أن اختيارهم “جاء عن قناعة ووعي كبيرين بمدى خطورة التدخين على صحة الفرد ومحيطه وكذا المحافظة على نظافة المكان”.
وبدوره، قال الرياضي الشاب، محمد قوارف، إن المقهى الذي يسيره والواقع بالشارع الرئيسي للمدينة “أنشئ لفائدة غير المدخنين الذين يعانون عادة من مساوئ التدخين السلبي، وهو يستقطب منذ افتتاحه عددا كبيرا من الرياضيين، كما يقصده آخرون من فئات عمرية انطلاقا من سن العشرين فما فوق لانعدام التدخين فيه”.
وأجمع أصحاب المقاهي المخصصة لغير المدخنين على أن زبائن هذه الفضاءات “كثيرون ويزدادون يوما تلو الآخر”، مؤكدين على أن الفكرة التي “بدت في البداية غريبة نوعا ما عن سكان المدينة، أصبحت تلقى اليوم ترحابا وقبولا وكذا تشجيعا من طرف المواطنين.
مبادرة شجاعة صنعت تميز المدينة
وعلى الرغم من أن أول مقهى لغير المدخنين لصاحبه الحاج كمال براكتة، أغلق أبوابه منذ سنوات “بسبب عدم التزام العمال”، كما أكد لـ “وأج”، فإن سكان عين التوتة وخاصة رواد مقاهي غير المدخنين يعتبرون مبادرته شجاعة ومغامرته بفتح مقهى لا تدخين فيه صنعت تميز مدينتهم، لاسيما بعد أن نجح في استقطاب الزبائن من مختلف الأعمار واقتدى به آخرون مرسخا لهذا التقليد الحميد.
فقد توالى بعد ذلك فتح هذه الفضاءات بالبلدية لتعم أغلب الأحياء وتصبح قبلة للمواطنين الذين يقصدونها حتى مع أبنائهم، حسب ما أشار إليه الموظف بالبلدية، مخلوف شينار، مضيفا أن هذه المقاهي “يرتادها حتى مدخنون يريدون الإقلاع عن هذه الآفة ومن هنا زادت شعبيتها”.
ويرى الإعلامي بإذاعة الجزائر من باتنة وابن عين التوتة، هشام أرزقي أن المبادرة التي نجحت من أول وهلة بالمدينة “جميلة جدا ولاقت إقبالا كبيرا من طرف المواطنين قبل الاقتداء بها من طرف أصحاب مقاهي عديدة بالمنطقة التي أصبحت معروفة على مستوى الشرق الجزائري وكافة ربوع الوطن بمقاهيها المخصصة لغير المدخنين، صانعة الاستثناء بباتنة”.
وأضاف المتحدث أن أهميتها تبرز خاصة أثناء متابعة مباريات كرة القدم سواء كانت للمنتخب الوطني أو مختلف الدوريات الأوربية، وهي المناسبات التي يزداد فيها عدد الزبائن، ويضطر غير المدخنين لمغادرة المكان بسبب دخان السجائر الذي يغمرها، ويلجؤون إلى المقاهي التي تمنع التدخين.
وثمن من جهته رئيس المجلس الشعبي البلدي لعين التوتة رابح يحياوي وعي أصحاب هذه المقاهي الذين انخرطوا على طريقتهم في مسعى مكافحة التدخين والتدخين السلبي، موضحا لـ “وأج” بأن “المبادرة إيجابية وتخدم المجتمع وقد لاقت نجاحا وهي تتوسع في المدينة”.
وأكد المنتخب المحلي بحكم كونه طبيبا عاما، على “مدى خطورة هذه الآفة الواجب مكافحتها بصرامة لاسيما وأنه ثبت علميا أن 90 بالمائة من أمراض سرطان الرئة يتسبب فيها التدخين”.
للإشارة، فإن صاحب المبادرة الأولى لفكرة المقاهي لغير المدخنين، هو كمال براكتة، وهو رياضي سابق وإطار متقاعد، وقد تولدت لديه الفكرة بعد أن تضررت صحته جراء التدخين السلبي ونصحه الطبيب بالابتعاد عن المقاهي.
وحسم كمال قرار انشاء مقهى يمنع عنه المدخنين بعد دخوله في يوم ممطر أحد المقاهي الذي كان يعج بالمدخنين وكان دخان السجائر يحجب الرؤيا وصعب عليه التنفس، فأراد أن يفتح الباب لاستنشاق بعض الهواء النقي، غير أن صاحب المقهى منعه بشدة.
وقال كمال براكتة إن زبائن أول مقهى لغير المدخنين بعين التوتة الذي لم يتمكن من الاستمرار فيه، “وجدوا ضالتهم وازداد عددهم”، ثم اقتدى آخرون بفكرته وأنشأوا مقاهٍ مماثلة.
ويدرك المتجول في أحياء عين التوتة التي صنعت التميز في هذا الميدان أنها أصبحت مدينة نموذجية لغير المدخنين بكثرة فضاءاتها المخصصة لهذه الفئة بشهادة رواد هذه المقاهي، في انتظار أن تعمم المبادرة على باقي ولايات الوطن.
ق. م