الجهل
وهو مدخل عظيم من مداخل الشيطان، ولا نبالغ إذا قلنا بأن كل مداخل الشيطان منه تبدأ، عليه تعتمد وبه تقوى؛ لأن الجاهل لا يعرف مداخل الشيطان فيسدها، ولا مكائده فيبطلها، ولا شباكه فيتجنبها، فيجتذبه الشيطان بسهولة، ويتغلب عليه بأدنى حيلة. كما أن الجاهل لا يعرف الخير من الشر، ولا السنة من البدعة، فربما أوقعه في الشر وهو يحسب أنه الخير، وربما أوقعه في البدعة وهو يظنها سنة، وبهذا يكون من الخاسرين ” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ” الكهف: 103، 104.
والجهل يطمس القلب ويعمي البصيرة، ومن هنا يكون الجاهل للشيطان غرضًا، فيوجه إليه سهام الشبهات وسموم الشهوات، فيرديه قتيل الهوى أسير الشهوة، فإذا وصل إلى تلك الغاية اتخذه الشيطان جندًا ينشر به الفساد في الأرض، ويصد به الناس عن الحق، وبهذا يصير من حزب الشيطان ” اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ” المجادلة: 19. ومن مداخل الشيطان على الجاهل أنه يصده عن طلب العلم، ويقول له: أيجمل بك أن تجلس أمام العالم جلسة الطالب وأنت قد كبرت؟! فيرضى بالجهل. قال أبو الحسن الماوردي: وربما امتنع الإنسان عن طلب العلم لكبر سنه، واستحيائه من تقصيره في صغره أن يتعلم في كبره، فرضي بالجهل أن يكون موسومًا به وآثره على العلم أن يكون مبتدئًا به، وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل.
ومن العجب أن الشيطان يخيل لبعض الجهال أنه عالم، وهذا منتهى التلبيس وقمة الغرور. وقد قسم الخليل بن أحمد الناس من حيث العلم إلى أربعة أقسام، فقال: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك ناسٍ فذكِّروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك مسترشد فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك جاهل فارفضوه.