أنوار من جامع الجزائر

من “لافيجري” إلى المحمدية …ومن مدرسة للتنصير إلى الجامع الأعظم

من “لافيجري” إلى المحمدية …ومن مدرسة للتنصير إلى الجامع الأعظم

لقد اختار الكاردينال شارل لافيجري من هذه النقطة، بوابة لنشاطه التبشيري نحو إفريقيا كلها، فبعد العام الأول من قدومه إلى الجزائر، حاملا مشروع إخراج الشعب الجزائري من ملة الإسلام أسس جمعية “مدرسة” للآباء البيض، سنة 1867،. المساحة الأرضية التي احتضنت مدرسة الآباء البيض، كانت هي ذاتها، ومن الصدفة، المكان الذي احتضن تصميم دار القرآن، ضمن المخطط الذي أعده مكتب الدراسات الألماني، وكأن إرادة القدر أصرت على أن تمحوَ هذه الدار دنس لافيجري إلى غير رجعة. جغرافية المكان لجامع الجزائر، لم تتوقف عن إثارة الرمزيات الخالدة، ومثلما سيكون الجامع الأعظم الحصن الديني المتين للجزائر وللعالم الإسلامي، كان الخليج الذي شيد فوقه حصنا منيعا ضد حملات احتلال العاصمة زمن الحروب الصليبية في القرن 14. ومقابل الذي يطل عليه، هلك أسطول الملك الإسباني شارلكان، إذ يؤكد المؤرخون أنه وفي عام 1541، وحينما ضرب حصارا مطبقا على العاصمة، وبعد مقاومة شديدة من سكانها، دمرت سفنه في عرض البحر على وقع ريح عاصف، أسقطت تاج الملك النصراني ومن يومها لم يضع تاجا على رأسه. الرمزية الأخرى ولعلها الأقوى، ترتبط أيضا بجغرافية العاصمة، رمز سيادة ووحدة الدولة الجزائرية، فقد ظل تمثال كنيسة السيدة الإفريقي التي أسست سنة 1872، أعلى معلم ديني يراه كل من يدخل مدينة الجزائر. لكن مصممي المسجد الأعظم، أصروا على تغيير الوضع، برفع راية الإسلام، على منارة تبلغ أقصى طول ممكن، بحيث تفوق علو الربوة التي شيد عليها تمثال السيدة الإفريقية أو يفوقها، وهنا يكمن سر بناء مئذنة المسجد على علو ناهز 265 مترا. لقد جمع جامع الجزائر، خصوصية المكان والزمان بخصوصية تاريخ الجزائر، جاعلا من الاختيارات التي حددت مساره من الفكرة إلى التجسيد، ذات دلالات عميقة ورمزيات فريدة، أصبغته بكل مقومات التفرّد الفكري والروحاني عن بقية الصروح الدينية. أما عن تسمية الجامع، فقد اختير اسم “الجزائر”، لما له من دلالة عن حمل البلد وشعبه، وحتى ينثر نقاء شعائره وغزارة عمله للأمة الإسلامية كافة، باسم الجزائر. إذن، هو ثالث أكبر مسجد في العالم، بثالث أكبر قاعة صلاة في العالم، بعد الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف، تعلوه مئذنة سامقة شامخة بارتفاع 265 مترا، تحمل 43 طابقا علويا وطابقين أرضيين، تضم متحفا وفضاء للراحة وصومعة زجاجية، يمكن بلوغها بـ17 مصعدا. لقد بنت الجزائر مسجدها، الذي يعزز مرجعيتها الدينية ويؤكد انتماءها ويعلي من قدر الدين والعلم، ليطمس كيد الكائدين والحاسدين الذي أرادوا له ولتراب المحمدية أن يظل أثرا مخلدا لمدرسة الآباء البيض، وعملوا على النيل من الصرح بحملات مغرضة، لكن إرادة المخلصين من الوطنيين انتصرت، وسيظل المسجد معلما ظاهرا وعلم الجزائر خفاقا على ضفة البحر المتوسط.

 

ق.إ