أنوار من جامع الجزائر

من عَلامةِ قَبُولِ العمَلِ – الجزء الثاني والأخير-

من عَلامةِ قَبُولِ العمَلِ – الجزء الثاني والأخير-

إنَّ من عَلامةِ قَبُولِ العمَلِ أنْ يُتْبَعَ بالعَمَلِ الصَّالِحِ، وإتباعُ الحسنةِ بمِثْلِها علامةٌ ظاهرةٌ، وأمَارَةٌ بَيِّنَةٌ علَى قَبُول الحَسَنَةِ. وإذا أرَدْنا أن نعْرِفَ قَبُولَ أعمالِنَا الصالحةِ في رمضَانَ، فلنَنْظُرْ إلى أعمالِنَا بعدَ رمضانَ، فإن كانَ خيرًا فلنَحْمَدِ اللهَ تعَالى، وإنْ وجدْنَا غيرَ ذلكَ فلا نلُومَنَّ إلا أنفسَنَا، واعلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ من كان يعبدُ رمضَانَ فإنَّهُ يَنقَضِي ويَفُوتُ، ومنْ كانَ يعبدُ ربَّ رمضانَ فإنهُ حيٌّ قيُّومٌ لا يمُوتُ، وبئسَ العبْدُ عبدٌ لا يَعْرِفُ ربَّهُ إلَّا فِي رَمَضَانَ، قالَ الحسَنُ رحمهُ اللهُ كَمَا عِندَ أَحْمَدَ فِي الزُّهْدِ: ” أَبَى قومٌ المداومةَ، والله مَا المؤمنُ بالذي يعمَلُ شهرًا أو شَهْرينِ، أو عَامًا أو عَامَيْنِ، لا واللهِ ما جَعَلَ اللهُ لعملِ المُؤْمِنِ أَجلاً دُونَ المَوْتِ” ومصداقُ ذلكَ قولُهُ تعَالَى “واعبدْ ربَّكَ حتَّى يَأتيكَ اليقينُ” . فاسْتَمرُّوا إخْوةَ الإيَماِن علَى هذَا الخيْرِ العَمِيمِ، واثْبُتُوا على هذا النَّهْجِ القَويمِ، وإيَّاكُم والانتقالَ من عزِّ الطَّاعةِ إلى ذُلِّ المَعْصِيَةِ، ومنْ أنوَارِ الشُّكرِ والعِرْفَانِ إلى ظُلُماتِ الجُحُودِ والنُّكْرَانِ، ثمَّ الحَذَرَ الحذرَ منْ تَحَوُّلِ رحَالكُمْ من نعيمِ السَّعادةِ إلى جَحِيمِ الشَّقَاء، ومنْ رضا الله سُبْحانَهُ إلى غَضَبِهِ وسَخَطِه.

لقدْ وَصَفَتْ أمُّنَا عائشةُ رضِيَ الله عنهَا عبادةَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بقَوْلِهَا: “كانَ عمَلُهُ دِيمَةً” رواه الشيخانِ، وعند مسلمٍ من حَدِيثِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، عنه عليهِ السَّلامُ أنَّه كانَ يقولُ: “يا أيها الناسُ عليكُمْ منَ الأَعْمَالِ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وإنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللهِ ما دُووِمَ عليهِ، وإن قَلَّ، وكانَ آل محمِّد صلى الله عليه وسلم إذا عَمِلُوا عملاً أثْبَتُوهُ” فاثْبُوا على عبادَاتٍ ألِفْتُمُوها في رمضَانَ، لقد تَعَبَّدَكُمُ اللهُ تعَالَى في شَهْرِكُم هذَا بقُرْبَةِ الصِّيام استِحْبَابًا وندبًا، سُنَّةَ نبيِّكُم عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لئلَّا تنقِطَع أعمالُ البرِّ بعدَ انقضَاءِ الشَّهرِ الفضِيلِ، فقَدْ ثبتَ في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أبِي أيُّوبٍ الأنصارِيِّ رضِيَ اللهُ عنهُ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: “منْ صامَ رمضانَ ثم أَتْبَعَهُ ستًّا من شَوَّالٍ كانَ كصيَامِ الدَّهْرِ”. فصُومُوا السِّتَّ من شوالٍ معتقِدِينَ سُنِّيَّتَهَا، تنَالُوا خيرَاتِهَا وبرَكَاتِهَا، ولتكُنْ هذهِ الأيَّامُ فاتِحَةَ خَيْرٍ وبرٍّ فيمَا يَسْتَقْبِلُ من أيَّامِكُم. وفي ختَامِ خُطْبَتِنَا لَا بُدَّ من كَلمَةٍ ثَقِيلَة مُدَوِّيَةٍ، تُقَالُ لمَا يَحْدُثُ في الأقْصَى الشَّريفِ وغزَّةَ العزَّةِ، إذْ لا حيلَةَ لنَا إلَّا ذاكَ، نُبْرئُ بهَا الذِّمَّةَ أمامَ الله تعالَى، ونَعْتذِرُ لبقيَّةِ الشَّرفِ المُتَبَقِّي في أمَّتِنا، وهمْ المُرَابطُون في بيتِ المقدِسِ وأكنَافهِ، في ظلِّ خيانةٍ مفضُوحَةٍ، وتوَاطُؤٍ رهيبٍ. إنَّ فَرْحَتَنا لا تَكتَملُ وجَسَدُ الأمَّةِ مكلومٌ بجراحٍ لا تزالُ تنزفُ، أُولى القبلتينِ وثالثُ الحرمينِ الشَّريفينِ، ومَسْرَى سيِّدِ الثَّقلينِ يئنُّ تَحْتَ وطأةِ المغتصِبِينَ، يجأرُ إلى الله في الصُّعداتِ في هذهِ الأيَّام: تقتيلٌ وحشيٌّ، وتهجيرٌ للفلسطينيينَ من غزةَّ الأبيةِ، ومناكيرُ لم تَشْهَدْ لها البشريَّةُ مثيلًا، فهلْ من فرَجٍ؟، وهلْ من مخرَجٍ؟، ويومَ تعودُ بيتُ المقدسِ إلى رحابِ الأمَّةِ، يومئذٍ يفرحُ المؤمنونَ بنصرِ اللهِ، وتَكْتَمِلُ الفرحَةُ بالعِيدِ بإذنِ اللهِ.

 

الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر