ظهرت قطيعة الرحم في أجلى صورها في هذا الزمان، فتجد أن الأقرباء لا يعرف أحدهم عن الآخر شيئاً، بل قد لا يعرف أحدهم قريبه، هل هو من الأموات، أم من الأحياء؟ ولا أبالغ إن قلتُ: “إن القطيعة وصلت إلى درجة عالية، حتى وصلت بين الأبناء والآباء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه علامة من علامات الساعة. فقد أخرج الإمام أحمد والبزار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: الَتسْلِيمَ على الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وفشو الْقَلَمِ، وظهور َشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ”. وعند الطبراني في “الأوسط” من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أشراط الساعة: الفحش والتَّفحُّش وقطيعة الرحم”. ولو لم يكن في قطيعة الرحم إلا أن الله عز وجل يقطع مَن قطعها لكفى بهذا ذَمَّــاً للقاطع، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله خلق الخلق حتى إذا فَرَغَ من خلقه قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصِل مَن وصلكِ، وأقطع مَن قطعكِ؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فاقرؤا إن شئتم: ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ” محمد: 22 – 23. قال القرطبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: “أخبر تعالى أن مَنْ فعل ذلك حقَّتْ عليه اللعنة، وسلبه الانتفاع بسمعه وبصره حتى لا ينقاد للحق، وإن سمعه وإن رآه، فجعله كالبهيمة التي لا تعقل”. وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الرحم معلقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله، ومَن قطعني قطعه الله”. إن صلة الأرحام شعار أهل الإيمان، كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم. فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فليصل رحمه”. أضف إلى ذلك أن صلة الأرحام تزيد في الرزق وتبارك في العمر.