يحض صانعو أفلام في مهرجان كان السينمائي الدولي فرنسا على مواجهة ماضيها الاستعماري، مستندين إلى قدرة النجوم على التأثير واستعداد الدولة الأوروبية المتزايد لمواجهة الظلم المُرتكب بشكل ملحوظ في إفريقيا.
وكما هو معلوم، ترك استعمار الجزائر وأهوال أحداث الثامن 1945 التي خلفت 45 ألف شهيد، ثم ثورة أول نوفمبر المجيدة بمليون ونصف المليون شهيد، آثارا عميقة على الشعب الجزائري وشكّل ذلك باستمرار سبباً لتدهور العلاقات بين البلدين، لكن الموضوع نادراً ما خضع للنقاش العلني في فرنسا خلال العقود الماضية.
وعلى الرغم من اعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون بارتكاب جرائم، من بينها مجزرة نفذتها الشرطة في حق الجزائريين في باريس عام 1961 ووصفها بأنها “لا تُغتفر”، فإنّ حكومته استبعدت “تقديم اعتذار” عن ماضي فرنسا الاستعماري.
ويقول المخرج الفرنسي فيليب فوكون، لوكالة الأنباء الفرنسية، على هامش مهرجان كان السينمائي الدولي: “يمكنكم القول إنّي مهووس بموضوع الحرب الجزائرية”.
وحذر زميله المخرج ماتيو فادوبييه من الاستنتاجات السهلة في شأن تجنيد فرنسا جنودا سنغاليين خلال الحرب العالمية الأولى، وهو موضوع يتطرّق إليه فيلمه “الأب والجندي”. ويؤدي النجم الفرنسي دور البطولة في القصة التي تتحدث عن أب وابنه أُجبرا على المحاربة إلى جانب فرنسا.
ويقول فادوبييه، لوكالة الأنباء الفرنسية إنّ “فكرتي تتمثل في التشكيك بتفاصيل ما حصل”، مضيفاً “في معرض تساؤلنا عن علاقة فرنسا التاريخية بمستعمراتها السابقة، ماذا لدينا لنقول عن ذلك اليوم؟ هل نعرف ماذا فعلنا حتى؟”.
وفيما يرفض أي مقاربة “سياسية”، يقول: “إذا أنكرنا الحقائق، لن نتمكّن أبداً من المضي قدماً، فينبغي علينا إذاً أن نسرد الوقائع، وعلى الجميع أن يعرفها”. ومع ذلك، لا يتمثل الهدف “في تذنيب الأشخاص، بل في الاعتراف بالتاريخ المؤلم والتحرّر”.
وفي العرض الافتتاحي للفيلم، قال “سي” المولود في فرنسا لأبوين مهاجرين منحدرين من غرب إفريقيا، في كلمة: “لدينا القصة نفسها، لكن ليست لدينا الذكريات ذاتها”.
وسيشهد الأسبوع الثاني من مهرجان كان السينمائي الدولي عرض فيلم “نو فرانجان” (إخواننا) للمخرج الفرنسي رشيد بوشارب الذي أثار عام 2006 جدلاً وطنياً بعمله “ديز أوف غلوري”، وهو فيلم يتحدث عن المساعدة التي وفرها جنود دول شمال إفريقيا للقوات الفرنسية الحرة خلال الحرب العالمية الثانية.
ويتحدث فيلم بوشارب الأخير عن قصة مالك أوسكين، وهو طالب قُتل عام 1986 وأصبح بمثابة رمز لدى الأقليات الفرنسية.
وفي ليلة 6 ديسمبر 1986، تعرض الشاب الفرنسي – الجزائري البالغ 22 عاماً إلى ضرب مبرح على يد ضابطي شرطة أدى إلى مقتله، وذلك على هامش تظاهرة احتجاجية طلابية في باريس لم يكن مشاركاً فيها.
وأصبح مقتل الشاب بمثابة نقطة تحول، إذ أدى إلى أسابيع من الاضطرابات فضلاً عن إدانة غير مسبوقة للضابطين المسؤولين عن مقتله.
ب/ص