في رحاب السيرة النبوية..

من صور شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

من صور شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وأرِيدُ أن أخْتَبِئ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ”؛ متفق عليه، وللبخاري: “لِأُمَّتِي في الآخِرَةِ”؛ زاد مسلم: “فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا “. دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولًا: أن الله جعل لكل نبي دعوة مستجابة، فدعا بها في الدنيا، أما نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فقد أخَّر دعوته لتكون شفاعة لأمته في الآخرة. من ذلك دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند فراغه من بناء البيت ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ” البقرة الآيات: 126. ومن ذلك دعوة سليمان عليه السلام ” قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ” ص: 35.

ثانيًا: قال ابن بطال رحمه الله تعالى: فِي هَذَا الْحَدِيث بَيَان فَضْل نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء؛ حَيْثُ آثَرَ أُمَّته بما خصَّه الله به من إجابة الدعوة بالشفاعة لهم، ولم يجعل ذلك في خاصَّة نفسه وأهل بيته، فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء، وصلى الله عليه أطيب الصلاة، فهو كما وصفه الله ” بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ” التوبة: 128. قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: هَذَا مِنْ حُسْن تَصَرُّفه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّعْوَة فِيمَا يَنْبَغِي. وقال النووي رحمه الله تعالى: بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ، وَاعْتِنَائِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمُ الْمُهِمَّةِ، فأخَّر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ إِلَى أَهَمِّ أَوْقَاتِ حَاجَاتِهِمْ. شرح النووي.