من صفات الجاهلية

من صفات الجاهلية

إن العصبية والعنصرية من صفات أهل الجاهلية التي نهى عنها الإسلام وحاربها، وهي في وقتنا الحاضر تلازم الشعوب المتخلفة، والدول الممزقة. وهي انعكاس لتشوهات التربية العقيمة، ومظهر من مظاهر الأمراض الاجتماعية، التي تنذر بالعواقب الوخيمة، والنتائج الخطيرة على تماسك المجتمع ووحدته، وفي تجاهل أسبابها ومسبباتها أو التساهل مع متعاطيها محفز لانزلاق المجتمع نحو التناحر فيما بينه، وبالتالي يصبح مجتمعاً ممزقاً يسهل افتراسه. إن الفخر بالأحساب والعادات، والطعن بالأنساب، والتنابز بالألقاب؛ والعنصرية المناطقية والإقليمية والطبقية للون أو لجنس أو للغة أو لبلد، كل ذلك رجس من عمل الشيطان. ولقد جاء الإسلام ليساوي بين الناس، وكان نداؤه قوياً مزلزلاً؛ بإلغاء الفوارق الطبقية، والقضاء على العنصرية، فمجتمع الإسلام الأول تساوت فيه الأكتاف حتى قال عبد الرحمن ابن عوف: “أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا “يعني بلالاً”.
أعزنا الله تعالى بالإسلام، فأخرجنا به من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، ومن المعتقدات الفاسدة إلى العقيدة الصحيحة، ومن الأخلاق الرذيلة إلى الأخلاق الحسنة الكريمة؛ فقد كانت الأمم متناثرة، والقبائل متناحرة، وجاء الإسلام بشريعته العظيمة، ومبادئه السمحة وقيمه الإنسانية، فغرس في الناس وشيجة الدين وآصرة الإيمان؛ لتكون هي الرابطة التي تجتمع عليها الأمة ويميز به بين أفرادها ويسمو بعضهم فوق بعض بالتقوى فقط.

وقد بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم خطورة العصبية ودعوى الجاهلية، وحذر منها تحذيراً شديداً، من استوعبه لن يكون عنصرياً أبداً، فقد قال: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ” رواه أبو داود، وقال أيضا “مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ” عند مسلم. بل أمر صلى الله عليه وسلم الأمة أن لا تقبل في وسطها من يدعو للعنصرية والعصبية، حتى لا يكون أثره سلباً على الأمة، وتجد دعوته أذنا صاغية، فيفسد إجماع الكلمة ويفتُّ في عضد الوحدة؛ قال صلى الله عليه وسلم “من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا” عند النسائي وأحمد. أي اسمعوه كلاماً مستقبحاً يردعه عن غيه. فالمجتمع المسلمين عليه أن يطهر نفسه من دعاة العنصرية، وأصحاب النزعة الجهوية، وأن يكون المجتمع متماسكاً يشدُّ بعضه بعضاً، يسعى فيه كل فرد لرفعة المجتمع، وهو يدرك أن المسلمين تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.
دعوى الجاهلية، والنزعة العنصرية متأصلة في النفس البشرية، ومحاربتها، والتخلص منها تحتاج  نفساً طويلاً وجهدا عظيماً، وهي من خصال الشر التي لا بد أن ننتبه لها، حتى يتعافى منها المجتمع بقدر المستطاع، أما القضاء عليها بالكلية فهو أمر عسير، وقد نبه على ذلك نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال ” أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ بالأحْسابِ، والطَّعْنُ في الأنْسابِ، والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحَةُ” مسلم”. وهناك أمور تساعد الإنسان على التخلص من العصبية والعنصرية نجمل بعضها فيما يلي:

– أن يوقن المسلم أن الناس خلقوا من أصل واحد، وأن الاصطفاء إنما جاء بالتقوى والقرب من الله جل جلاله، والإسلام ألحّ كثيراً على أن الناس جميعاً ينحدرون من أصل واحد، وتكرر النداء في القرآن الكريم: “يا بني آدم” .

– قراءة سيرة الصحابة، وكيف أنهم في مدة وجيزة اتحدوا وفيهم العربي والفارسي والإفريقي وأصبحوا جميعاً سواسية في الحقوق والواجبات، وأصبحت سراياهم وغزواتهم يقودها الأكفأ، والأكثر حنكة بغض النظر عن لونه وجنسه.

– أن ندرك من تجارب الآخرين أنهم لم يصلوا للتطور العظيم، والمدنية المتقدمة، إلا بعد أن تمكنوا من بناء الوحدة عندهم على أسس متينة، تجاوزت العرق، والقبيلة، والجهة إلى الوطن الجامع، والهدف النافع.

من موقع شبكة الألوكة الإسلامي